الجديد

الجزيرة الاخبارية

السبت، 28 يونيو 2014

قبيلة الأخماس تنقسم إلى قسمين : الأخماس العليا، والأخماس السفلى، وهي من إقليم شفشاون، وتحيط بهذه المدينة من الجنوب والشرق. وبالأخماس العليا يوجد مسجد الشرافات الذي ينسب تأسيسه إلى طارق ابن زياد حسبما ذكره ابن عسكر في الدوحة.
وبالأخماس السفلى يوجد ضريح القائد المجاهد يلصو الأموي جد الأسرة اليلصوتية، وكل من الأخماس السفلى والعليا يتفرع إلى مجموعة من الفرق والمداشر والقرى الآهلة بالسكان.
وتشتهر قبيلة الأخماس بأنها قبيلة الشيخين : الشيخ أبي الحسن الشاذلي (ت656هـ) صاحب الطريقة الشاذلية المنتشرة في أنحاء العالم الاسلامي، والشيخ أبي الحسن علي بن عبد الحق الزرويلي (ت750هـ) شيخ الجيل والجماعة في عصره..
وتمر بالأخماس السفلى الطريق الرابطة بين شفشاون ووزان ففاس ... وتمر بالأخماس العليا الطريق الرابطة بين شفشاون والحسيمة .والإقليم الذي تقع فيه الأخماس بقسميها هو مما كان يدعى سابقا بجبال غمارة، أما اليوم فغمارة تقتصر على قبائل معينة ليس من ضمنها الأخماس، وجبال غمارة منذ أمد غير قصير كانت تضرب الرقم القياسي في كثرة العلماء وحفاظ القرءان الكريم، وفي كثرة القراء والمتضلعين في علوم القرءان وقراءاته..
وهذه المنطقة برمتها تشكل القسم الغربي من جبال الريف.
ومعظم سكان الأخماس ينتمون في أصلهم إلى صنهاجة الذين امتزجوا بكثير من العناصر العربية، بينما سكان قبائل غمارة القريبة من الساحل ينتمون في معظمهم إلى مصمودة وهم كذلك قد امتزجوا بالعناصر العربية وبكثير من العناصر الأندلسية بصفة خاصة.

مولاي عبد السلام بن مشيش

اكتسى جبل العلم عند المغاربة على الخصوص أهمية بوجود ضريح مولاي عبد السلام بن مشيش العلمي به، المتوفى في السنة 626 هـ / 1229 م. فهو مزار مشهور عبر تاريخ المغرب منذ القرن السابع الهجري (القرن الثالث عشر الميلادي)، إذ أمه وقصده مشاهير الرجال والصلحاء من أولياء الله المسلمين،


ضريح القطب مولاي عبد السلام بن مشيش العلمي
* أمثال أبو الحسن الشاذلي (إن لم تسعفك الوصلة اطلبه إذا في أبي الحسن الشاذلي) مؤسس الطريقة الشاذلية، الذي قدم على مولاي عبد السلام بن مشيش في طلب قطب زمانه من العارفين الربانيين فتتلمذ على يديه. 

* كما لجأ إليه طلبا للبركة عامة القوم وخاصتهم، بل وقد احتمى بالضريح بعض الحكام أو الملوك (انظر تاريخ السلطان مولاي سليمان بن محمد (1760 - 1822)) عندما كانت أوضاعهم السياسية تعتريها عثرات أو اضطرابات داخلية مما هو معروف عند دارس تاريخ المغرب، بحسب المؤرخين. 

* وتعد زيارة الضريح في الأدبيات المغربية عند العامة "حج المسكين" لمن لم يستطع القيام بفريضة الحج إلى بيت الله الحرام (مكة)، والزيارة لقبر الرسول سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم (المدينة المنورة)... فيكتفون بزيارة الضريح المذكور تبركا وطلبا لصالح الدعاء من الشرفاء القاطنين جبل العلم من ذرية القطب والولي عبد السلام بن مشيش المدفون بقنة جبل العلم. 

* ومن المشاهير الذين زاروه زيارة خاصة في عصرنا هذا العالم الرباني الشيخ محمد متولي الشعراوي عند مقدمه ضيفا مكرما ليلقي درسا من الدروس الحسنية الرمضانية بالرباط (ونقلت الخبر عن صديقي الدكتور أحمد رمزي وذكرته في مقال مطول عن العلميين وتاريخهم - وهو منشور) (حرره: الدكتور أمل بن إدريس بن الحسن العلمي). 

* وعبد السلام بن مشيش إلى يومنا هذا له مكانة خاصة عند المغاربة ومحبة، تجتمع فيها محبة آل البيت والعثرة الشريفة عموما وبني مولاي إدريس الأول على الخصوص، الحسنيون العلويون، الهاشميون. وقد تعاطف المغاربة مع إدريس بن عبد الله الكامل؛ -اللاجئ طلبا للنصرة بين أحضانهم، هم المحبون للرسول صلى الله عليه وسلم، وآل بيته؛ - وذلك بعد اضطهاده في المشرق الإسلامي على عهد العباسيين (موقعة فخ) ومحنة ذريته من الأدارسة من بعده في المغرب على أيدي موسى بن أبي العافية من قبل الدولة الفاطمية بأفريقيا تونس. فكانت قلعة حجر النسر (على بعد 12,9 كم من سوق خميس بني عروس) بالقرب من مولاي عبد السلام، فشكلت قلعة حجر النسر معقل الأدارسة الأخير (ومقر وعاصمة حكمهم قبل اندثار دولتهم)، وقبل انتشار حفدتهم في جبل العلم (فسموا به: العلميون نسبة لمكان مقامهم وسكناهم بجبل العلم)، ومن ثم انتشروا في القرى المجاورة. وذلك بخلاف ما اعتقده بعض من رأى غير ذلك في سبب التسمية [2]. والتسمية نسبة لمقر السكنى شئ عادي ووارد كأن تقول فاسي، وطنجاوي ورباطي ومراكشي وهلم جرا. وذلك ليس بخاص بالمغرب بل أطلقت تسميات على هذا النحو لمن قدم من العراق مثلا العراقي ولمن ينسب للمدينة المدني، و... القرطبي (نسبة لقرطبة)، و... و... غير ذلك، كما هو معروف. واسم جبل العلم كان قبل أن يكون مولاي عبد السلام بن مشيش. وبذلك أحسم النقاش في هذه المسألة. (صورة الضريح).

الجمعة، 20 يونيو 2014

الأوضاع في المغرب في مطلع القرن العاشر هجري /السادس عشر الميلادي


كان المغرب مثل الجزائر يعيش في أزمة شديدة في مطلع القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي، عشية بروز السعديين فيه على مسرحه السياسي، أبرز ملامحها هي :

 1-1من الناحية السياسة

التفكك والتجزء

أن الوطاسيين الذين آل إليهم الحكم في المغرب في الربع الأخير من القرن 9هـ/ 15م كانت إمكانياتهم محدودة ، فعجزوا عن بسط سلطتهم على كامل أجزائه، وتوفير الأمن والاستقرار له، بحيث نجد المغرب في مطلع القرن 16م/ 10هـ مجزأ إلى وحدات سياسية صغيرة، كثيرة تحت زعامات قبلية، أو دينية، أو مجالس محلية مستقلة عن الوطاسيين تماما، أو لا  تتبعهم إلا إسميا، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر :
   في الشمال، والجنوب الشرقي له : إمارات بني راشد في شفشاون، وآل المنظري في تطوان، و آل عبد الحميد في القصر الكبير، وآل رحوفي دبدو. وهذه الإمارات  كانت تخضع إسميا للوطاسيين.

في وسط المغرب، وغربي الوسط: إمارات ابن حدو، وأخيه أبي فارس في الجبل الأخضر، وإمارة ابن عامر في تنسيتة، و إمارة آل فرحون في أسفي، وجمهوريات مدن تافزة، والجمعة، وآزمور، ونفوذ رؤساء القبائل في سهول دوكاله،وتادله. وكل هذه الإمارات الصغيرة  لم تكن تخضع للوطاسيين.

وفي جنوب المغرب، وغربه : نذكر إمارة آل شنتوف في مراكش، وإمارة مولاي ادريس الهنتاني في الأطلس الكبير، وجمهوريات مدن تارودانت، وتدسي، وتفتنت، ونفوذ الشيخ يحي في ثيوط، ونفوذ المرابط ابن المبارك في آقة، ونفوذ شيخ عرب أولاد زرقان في تافيلالت. وهذه الوحدات كانت كلها مستقلة عن فاس.

والجدير بالذكر أن الوئام لم يكن هو السائد بين الوحدات المذكورة، ولا سيما المتجاورة منها، إذ كانت تقوم بينها نزاعات لأسباب مختلفة وأهمها التوسع والتحكم، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: أن أمير جبل هنتاتة كان في صراع مع أمير مراكش ، كما كان أمير الجبل الأخضر في صراع مع هذا الأخير. وكان عرب دوكالة في صراع مع مجاوريهم من السكان الجبليين البربر وسكان المدن في المنطقة. وقد يتفاقم الأمر أحيانا ليصبح النزاع قائما بين أحياء المدينة الواحدة، كما هو الشأن في تغاوست، أو بين قصور أو قرى سجلماسة، وغيرها .

الغزو البرتغالي والإسباني

إن التجزؤ الكبير الذي آل إليه المغرب في مطلع القرن 16م/ 10هـ، وعجز الوطاسيين عن القضاء عليه، قد شجع البرتغاليين و الإنسان على المضي فيما شرعوا فيه منذ مطلع القرن الخامس عشر الميلادي/التاسع الهجري من غزو وتخريب واحتلال لمدنه الساحلية، بغية تحقيق أهدافهم المختلفة، نذكر منها :

 -استغلال خيرات المغرب من قموح وأصواف وخيول، وبشر للاستعباد، وغير ذلك.
 -اتخـاذ قواعد لهم على المتوسط، والأطلسـي المشرفين على الطرق التجارية القديمة والجديدة.
 -القضاء على قواعد البحارة المغاربة، الذين كانوا يغيرون على سفنهم وشواطئهم.
- نشر المسيحية، وشن حرب على المسلمين، وغير ذلك من الأهداف.

وإذا كـان الاسبان هم الذين بدأوا بالغزو للشواطئ المغربية بالحملة على تطوان وتخريبها في سنة 1400م، فإن البرتغاليين الذين استكملوا وحدتهم الوطنية قبل الإسبان هم الذين تفرغوا أكثر لغزو المغرب بإقدامهم على احتلال سبتة في سنة 1415 ثم محاولتهم احتلال طنجة قي سنة 1437 كانت فاشلة، تلتهـا محاولتهم الناجحة لاحتلال بلدة القصر الصغير في سنة 1458، وفي سنة 1469 قاموا بتخريـب مدينة آنفي. ثم قاموا  بعد ذلك باحتلال مدينتي آصيلا، وطنجة في سنة1471.

ولما استكمل الاسبان وحدتهم في سنة 1469، دخلوا في منافسة قوية مع البرتغاليين بإقدامهم على احتلال منطقة عند وادي نون على الأطلسي، بنوا بها حصن سانتاكروز دوماربيكينا في سنة 1478، ثم راموا التوسيع في غيرها. وإنهاء لحالة النزاع التي كانت تقوم بين الطرفين، توصلوا إلى اتفاقيات تفاهم، أهمها اتفاقية طليطلة في سنة 1480، واتفاقية طورد يسيلاس في سنة 1494، وأخيرا اتفاقية سينترا في 1509 التي حددت مجال عمل كل طرف، فكان مجال الاسبانيبتدئ بحجر بادس ويمتد شرقا إلى ما يليه. أما مجال عمل البرتغاليين فيمتد غرب بادس. ولذلك تركز الغزو البرتغالي على المضيق والأطلسي، بينما تركز الغزو الاسباني على المتوسط.

وقد بلغ الغزو البرتغالي، والاسباني للشواطئ المغربية ذروته في العقديـن  الأولين  من القرن 16م10هـ، حيث قام الاسبان باحتلال غساسة في سنة 1504، بعد أن احتلوا قبل ذلك مدينة مليلة في سنة 1497، ثم احتلوا حجر بادس في سنة1508. وكلها تقع على المتوسط، واحتلوا مواقع عديدة على الشواطئ الجزائرية خلال الفترة 1505-1535 كما رأينا في الفصل الأول.

أما البرتغاليون فاحتلوا بعد اتفاقية طور ديسيلاس المذكورة مدينة ماسا في سنة 1497 ثم موقع مازكان في سنة 1502 فآغادير في سنة 1505 وموكادور سنة 1506 وآسفي في سنة 1508، وآزمور في سنة 1513، وتطلعوا في سنة 1515 إلى احتلال مدينة مراكش، ولكن حملتهم عليها باءت بالفشل، كما باءت بالفشل حملتهم لاحتلال موقع المعمورة المنفذ البحري لمدينة فاس في نفس السنة.
وستأتي الإشارات إلى مصيـر الغــزو البرتغالـي بعد قيـام السعدييــن، واشتداد عودهم في المغرب، في الصفحات القادمة.

1-2 من الناحية الاقتصادية

إن ميل المغرب إلى التجزؤ، وتعرضه إلى الغزو الخارجي، قد نجم عنه اضطراب شديد للأمن، والاستقرار فيه، مما أثر كثيرا على كل الأنشطة الاقتصادية فيه، من تجارة، وفلاحة، وصناعة.
فالتجارة الداخلية بين المناطق تأثرت باضطراب الأمن في الطرق والسواق، بحيث بات من حسن الحظ أن تنجو قافلات التجار من الاعتداء عليها، إما من البرتغاليين أو الأسبان أو الأعراب.

أما التجارة الخارجية بين المغرب وأوربا، وبينه وبين بلاد السودان  ا لتي كانت أحد مصادر الرخاء للمغرب قبل اضطراب أحواله فتأثرت هي الأخرى بالغزو، والاحتلال الذي تعرضت له المنافذ البحرية التي كان المغرب يتاجر من خلالها مع الدول الأوربية، كما تأثرت بالحظر الذي فرضه الأسبان والبرتغاليون على غيرهم من الأوربيين الذين يريدون التجارة مع المغرب، خوفا من أن يهربّوا له الأسلحة الناريـة التي كان المغاربة في حاجة إليها، بحيث بـات المغرب يعـاني من اختناق شديـد.
ولم تسلم تجـارة المغرب مع بـلاد السودان مـن منافسـة البرتغالييـن لهم فيها، ومن التأثر بالأوضاع المضطربة في المغرب، مما جعل محاور التجارة السودانية تميل أكثر فأكثر إما نحو قواعد البرتغاليين وغيرهم مـن الأوربيين على الأطلسي، أو نحو الشمال الشرقي، أي إلى الجزائر وتونس.

أما الفلاحة التي كانت توفر الغذاء لكل سكان المغرب على الرغم من احتفاظ الفلاح المغربي بالوسائل والطرق القديمة في الإنتاج، فتقلص نطاقها، لأن الفلاحين هجروا حقولهم في المناطق غير الآمنة، وقصدوا المناطق الأكثر أمنا، ولو كانت جبلية.

وأما الصناعة التي كانت لا تزال في طورها الحرفي فتأثرت هي الأخرى بما أصاب قطاعي الفلاحة، والتجارة من أضرار، وبالذات ما أصاب قطاع المدن التي كانت تحتضن الحرفيين، و ورشاتهم من تخريب، وغزو، واحتلال، وقتل للحرفيين مثل غيرهم، بحيث لم يبق من المراكز الحرفية النشيطة في أوائل القرن السادس عشر الميلادي/ العاشر الهجري سوى مدينة فاس التي كانت عاصمة للمرينيين، ثم غدت عاصمة للوطاسيين، والتي سلمت من الغزو الخارجي، وتخريبه.

1-3 من الناحية الاجتماعية

كان لاضطراب الأحوال السياسية في المغرب لمدة طويلة، وما نجم عن ذلك من التجزؤ والغزو الخارجي أسوأ الأثر على الوضع الاجتماعي للسكان، ويتجلى ذلك في حالة الفقر التي آل إليها الكثيـرون، والتي غدت الملمح الغالب للسكان في المدن، ولا سيما في القرى، وهو ما  يستخلصه القارئ لكتاب الوزان الذي وصف لنا فيه حالة السكـان في المدن والقرى التي زارها في كل أنحاء المغرب. كما يتجلى في حركة الهجرة القسرية التي عرفها سكان المغرب في المناطق التي تعرضت للغزو البرتغالي والأسباني،  أو التي كانت هدفا لغاراته إلى الجهات والمناطق الأكثر أمنا. ولا يخفى أن تلك الهجرة كانت تتم في ظوف صعبة، حيث كان المهاجرون يفقدون منازلهم، وأملاكهم، مما كان يتسبب في تردي وضعيتهم.

ولكن الأثر السيئ للغزو الخارجي، والتفكك الداخلي يظهر واضحا أيضا في تقلص قطاع المدن نتيجة الاحتلال أو التخريب الذي أصاب الكثير منها، وتدهور معظم المدن الباقية نتيجة التهديد الذي كانت تعيش فيه إما من الغزاة البرتغـاليينوالاسبان، أو من القوى الداخلية المتنازعة. فباستثناء مدينة فاس، وتطوان، وشفشاون التي عرفت انتعاشا وكثافة سكانية بمن انضاف إليها من المهاجرين والمغاربة فإن معظم المدن  المغربية عرفت ضمورا ملحوظا على غرار مدينة مراكش، التي باتت خربة مهجورة بنسبة الثلثين. وقد نجم عن ذلك أن أضحى أغلب سكان المغرب يعيشون في البوادي، وفي الجبال رغم صعوبة الحياة فيها.
ولا بد من الإشارة إلى ظاهرة تفشي النزاعات، والفتن  بين  السكان في  الأرياف، وحتى في بعض المدن، وانتشار البدع والخرافات، والانحرافات  كالغش، وغيره من الآفات، التي كانت محل السخط لدى بعض المصلحين كالإمام أبي محمد عبد الله الهبطي، ومحمد بن المبارك.

1-4  من الناحية الثقافية

إن الباحث في الحياة الثقافية والعلمية في المغرب في مطلع القرن السادس عشر الميلادي/العاشر الهجري، يجد أن كثيرا من المراكز العلمية التي كان يزخر بها قد خلا بعضها، وهذا حال المراكز التي كانت توجد بالمدن التي وقعت تحت احتلال البرتغاليين و الاسبان، أو تعرضت إلى تخريبهم. وأن مراكز علمية أخرى تدهور حالها نتيجة عيشها في حال التهديد  بالغزو  الداخلي أو الخـارجي أو هما معـا، وهذا حال مدينة مراكش  على سبيل  المثال التي كانت تعيش تحـت تهديـد القبـائل المجاورة لها، ولم تسلم من غـزو البرتغاليين وعملائهم فـي سنة 1515، فباتت شبه مهجورة،وخربة بنسبة الثلثين، بحيث م يبق فيه إلا مراكز علمية قليلة نشيطة، كان في مقدمتها جميعا مدينة فاس، حاضرة ملك الوطاسيينالتي م تتعرض للغزو الخارجي، والتي غدت مقصد العلماء والطلبة من المراكز  الأخرى، وحتى من الجزائر للأخذ والعطاء في مدارسها، وجوامعها، وزواياها  العديدة.

وكانت مدينة تطوان التي أعاد  المهاجرون  الأندلسيون  بناءها، واستوطنوها مع علمائهم، وطلبتهم، هي الأخرى مركزا علميا وثقافيا نشيطا. وشبيه بها مدينة شفشاون القريبة منها، والتي كانت مركزا لإمارة بني راشد.

والذي يلفت نظر الباحث هو أن أرياف المغرب، وقراه كانت لا تخلو منها واحدة من مسجد أو زاوية كانت تقدم مبادئ العلم والدين. مما كان يخفف من ظواهر الجهل والبدع التي انتشرت في المغرب بعد تدهور الحياة العلمية والفكرية الذي عرفته منذ أواخر العهد المريني.

تلك كانت باختصار ملامح الوضع المتأزم الذي كان يعيش فيه المغرب عشية بروز السعديين فيه، وشروعهم في العمل على إخراجهم من المحنة التي كان فيها. فكيف كانت بداية أمرهم، وما هي جهودهم خلال النصف الأول من القرن16م/ 10هـ.

2- قيام السعديين في المغرب

هم من أسرة عربية الأصل كما هو مؤكد لدى من أرخ لهم، انتقل أوائلهم  من ينبع بالحجاز إلى درعة بجنوب المغرب، واستوطنوا قرية تاكمادارت وذلك في المائة السادسة الهجرية على ما هو عند الزياني، وكان الاعتقاد السائد لدى المغاربة أنهم من الأشراف. وذكر ابن القاضي عمود نسبهم الشريف، إلا أن المنافسين لهم، وخاصة أيام ضعفهم ومنهم أشراف سجلماسه الحسنيون، وخصومهـم من بقايا الوطاسيين و المرينيين وأنصارهم، كانوا يطعنون في صحة نسبهم الشريفي، معتمدين في ذلك على البتر الذي لوحظ في عمود نسبهم كما ذكره ابن القاضي، وعلى ما نقل عن المقري من أن نسب السعديين يعود إلى بني سعد بن بكر بن هوازن،  قوم حليمة السعدية مرضعة النبي  صلى الله عليه وسلم، أي من غير قريش،  وهو قول تراجع عنه المقرى نفسه، وصرح بشرفهم في كتابه(نفح الطيب)،وأكد السلطان العلوي محمد بن عبد الله الزياني أن نسب السعديين الشريفي لا غبار عليه، واعترف أنهم ينحدرون من جد واحد. ويسمى السعديون أيضا بالزيدانيين، نسبة إلى جدهم زيدان بن أحمد، إلاّ  أن اسم السعديـين هو الذي شاع  استعمـاله وخاصة في المصادر الغربية والمراجع العربية التي ألفت بعد زوال دولتهم.

وقد ظل السعديون حتى مطلع القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي يحيون في المغرب حياة بسيطة دينية وعملية، ولم يبرزوا على المسرح  السياسي  إلاّ حين اشتدت وطأة البرتغاليين على سكان الجنوب المغربي، وألحقوا بهم أضرارا في أنفسهم ومصالحهم الاقتصادية دون أن يتدخل الوطاسيون لحمايتهم، أو أن  يكون هنالك أمل في تدخلهم، حيث كانوا منشغلين بالدفاع عن الشمال، فالتفتت أنظار أهل الجنوب إلى  هؤلاء السعدييـن لقيادة صفوفهم  ضدّ البرتغالييـن، بعد  أن رفض ابن المبارك ، مرابـط آقة الكبيـر، أن يتولـى هذه  المهم ووجههم  إلى أبي عبد الله محمد، عميد الأسرة السعدية الذي قبل أن يتولاها بعد اتصالات ومشاورات  بينه وبين المرابط الآنف الذكر، وبينه وبين بني قومه، وفقهاء السوس وأعيانه في سنة 915ه/ 1509م. وتمت المبايعة له في مدينة تدسي بالسوس في سنة 916هـ/1510م. 

وتلقّب أبو عبد الله بالقائم بأمر اللّه. وقدمت له كل قبيلة بايعته عشرة من رجالاتها المقاتلين فبلغ المجموع 500 رجل مما يعني أن عدد القبائل التي  بايعته كان خمسين قبيلة. وكانت هذه القوة هي نواة الجيش السعدي النظامي. وقد أسند قيادتها لابنه الأكبر أحمد الأعرج.

ومما تقدم نستخلص أن أبا عبد الله القائم بأمر الله السعدي " لم يفرض نفسه على أهل السوس بجنوب المغرب فرضا، وإنما اختاره هؤلاء اختيارا. "وأسندوا إليه مقاليد أمورهم بمحض إرادتهم . ولم يكن هذا الاختيار على أساس العصبية القبلية، حيث أن القبائل الأولى التي بايعت أبا عبد الله هي قبائل بربرية من مصمودة، وإنما وقع الاختيار عليه لشرف نسبه وسمعة أسرته العلمية والدينية، وتزكية المرابط الكبير أبن المبارك، وغيره من المرابطين كأبي البركات التدسي وابن عمر المطغري.

ونستنتج مما تقدم أيضا أن المبرر الأساسي لمبايعتهم له هو الجهاد ضد البرتغاليين  وأعوانهم، وقيادة صفوف المجاهدين ضدّهم، وحماية أهل الجنوب ومصالحهم من أخطار أعدائهم.

 1-2علاقاتهم مع القوى المحلية،و الخارجية

كان للسعدييين علاقات متنوعة مع القوى المحلية، الدينية، و القبلية، والقوى الخارجية   الغازية للمغرب و المسالمة، و المتاجرة معه.

الخميس، 14 نوفمبر 2013

رؤية الغرب للاسلام

عاد الإسلام من جديد إلى صدارة الاهتمام الغربي أكاديمياً وإعلامياً وسياسياً وإستراتيجياً، وتظهر الحملة الغربية للإسلام قدراً من التفهم بالإضافة إلى ما هو سائد من تحيّز وعداوة. ويقدم كتاب الدكتور محمد عمارة "الإسلام في عيون غربية" نماذج من الجانبين تصلح ملخصاً للمثقف والمتابع ليطلع على نحو عادل ومتوازن لقضية الإسلام والغرب، ولا يقع أسير التعميم والتحيز. 

وقد نشرت مجلة "شؤون دولية" الصادرة في "كمبردج" بإنجلترا عدد يناير سنة 1991 ملفاً عن الإسلام لاثنين من أبرز علماء الاجتماع السياسي الإنجليزي (ادوارد مورتيمر) و(ارنست جيلنر) : "لقد شعر الكثيرون بالحاجة إلى اكتشاف تهديد يحل محل التهديد السوفيتي، وبالنسبة إلى هذا الغرض فإن الإسلام جاهز في المتناول، فالإسلام مقاوم للعلمنة، وكان لوجود تقاليد محلية للإسلام دور في عدم نجاح نظرة التقدير والمثالية للحضارة الغربية، وقد امتلك الإسلام مقومات الإصلاح الذاتي، وذلك هو التفسير الأساسي لمقاومة الإسلام المرموقة للعلمنة. إن الإسلام من بين الثقافات الموجودة في الجنوب، وهو الهدف المباشر للحملة الغربية الجديدة، ليس لسبب سوى أنه الثقافة الوحيدة القادرة على توجيه تحدٍ فعلي وحقيقي للثقافة العلمانية الغربية" 
ومما جاء في أبحاث ومقررات مؤتمر مجمع الخبراء في الكنائس الغربية في مايو 1978 في "كولورادو" بأمريكا" "إن الإسلام هو الدين الوحيد الذي تناقض مصادره الأصلية أسس النصرانية، والنظام الإسلامي هو أكثر النظم الدينية المتناسقة اجتماعياً وسياسياً، ونحن بحاجة إلى مئات المراكز لفهم الإسلام واختراقه، ولذلك لا يوجد لدينا أمر أكثر أهمية وأولوية من موضوع تنصير المسلمين". 

ستركز هذه المقالة على نماذج من شهادات العلماء والمفكرين الغربيين المنصفة، فنجد من هؤلاء مجموعة كبيرة قدموا شهادات منصفة، وقاموا أيضاً بخدمات جليلة للفكر الإسلامي، مثل سير توماس ارنولد (1864-1930) صاحب كتاب "الدعوة إلى الإسلام" و"الخلافة" و"العقيدة الإسلامية" و"التصوير في الإسلام". 
فيقول في كتاب "الدعوة إلى الإسلام" : إن حالات المجتمع المسيحي نفسه قد جعلت الجهود التي تنطوي على الغيرة والحماسة الدينية في اكتساب مسلمين جدد أشد أثراً وأعظم قيمة، فبعد تدهور الكنيسة الإغريقية نشأ استبداد في الأمور الدينية جعل الحياة العقلية ترزح تحت القرار الحاكم الذي حرم كل مناقشة في شؤون الأخلاق والدين. 
ولكننا لم نسمع في ظل الإسلام عن أي محاولة مدبرة لإرغام الطوائف من غير المسلمين على قبول الإسلام أو عن أي اضطهاد منظم قصد منه استئصال الدين المسيحي". 

ولا يستطيع أي فرد أن يوضح الطابع العقلي للعقيدة الإسلامية أكثر مما وضحه البروفسور (مونتيه) (1856-1907) :"الإسلام في جوهره دين عقلي، فتعريف الأسلوب العقلي بأنه طريقة تقييم العقائد الدينية على أسس من المبادئ المستمدة من العقل والمنطق ينطبق على الإسلام تمام الانطباق، وإن للإسلام كل العلامات التي تدل على أنه مجموعة من العقائد التي قامت على أساس المنطق والعقل، فقد حفظ القرآن منزلته من غير أن يطرأ عليه تغير أو تبديل باعتباره النقطة الأساسية التي تبدأ منها تعاليم هذه العقيدة، وكان من المتوقع لعقيدة محددة كل تحديد وخالية من التعقيدات الفلسفية، ثم في متناول إدراك الشخص العادي أن تمتلك- وإنها لتمتلك فعلا قوة عجيبة- لاكتساب طريقها إلى ضمائر الناس". 
ويقول (سير توماس): إن الفكرة التي شاعت أن السيف كان العامل في تحويل الناس إلى الإسلام بعيدة عن التصديق. إن نظرية العقيدة الإسلامية تلتزم التسامح وحرية الحياة الدينية لجميع أتباع الديانات الأخرى، وإن مجرد وجود عدد كبير جداً من الفرق والجماعات المسيحية في الأقطار التي ظلت قروناً في ظل الحكم الإسلامي لدليل ثابت على ذلك التسامح. 

ومن الشهادات المنصفة شهادة العالم "دافيد دى سانتيلا" الذي يقول: "إن المستوى الأخلاقي الرفيع الذي يسم الجانب الأكبر من الشريعة الإسلامية قد عمل على تطوير وترقية مفاهيمنا العصرية، وهنا يكمن فضل هذه الشريعة الباقي على مر الدهور، فالشريعة الإسلامية ألغت القيود الصارمة والمحرمات المختلفة التي فرضتها اليهودية على أتباعها، ونسخت الرهبانية المسيحية، وأعلنت رغبتها الصادقة في مسايرة الطبيعة البشرية والنزول إلى مستواها، واستجابت إلى جميع حاجات الإنسان العملية في الحياة، تلك هي الميزات التي تسم الشريعة الإسلامية في كبد حقيقتها، قد نجرؤ على وضعها في أرفع مكان وتقليدها أجل مديح علماء القانون وهو خليق بها". 
ويقول الباحث والمؤرخ الإنجليزي (مونتجو مرى وات) وشهادته ثمرة لدراسات الإسلام مقارناً بالديانات الأخرى استمرت ثلاثين عاماً : "إن القرآن الكريم ليس بأي حال من الأحوال كلام محمد ولا هو نتاج تفكيره، إنما هو كلام الله وحده، ولا ينبغي النظر إليه باعتباره نتاج عبقرية بشرية. 

ومعظم المسيحيين يميلون إلى افتراض أن المسيحية ستكون هي دين العالم في المستقبل، ولكن هذا أبعد ما يكون عن الصحة، ولنذكر دليلاً واحداً، فبعض الأمم المسيحية الكبيرة تعاني بشدة من العنصرية، والدين الذي لا يستطيع أن يحل مشاكل العنصرية بين أعضائه من المستبعد أن يكون قادراً على تقديم حلول كثيرة مجدية لمشاكل العالم الأخرى". 
ويقول المستشرق العالم الألماني شاخت جوزيف: "من أهم ما أورثه الإسلام للعالم المتحضر قانونه الديني الذي يُسمى بالشريعة، وهي تختلف اختلافاً واضحاً عن جميع أشكال القانون، إنها قانون فريد، فالشريعة الإسلامية هي جملة الأوامر الإلهية التي تنظم حياة كل مسلم من جميع وجوهها، وبالرغم من أن التشريع الإسلامي قانون ديني فإنه من حيث الجوهر لا يعارض العقل بأي وجه من الوجوه، فالتشريع الإسلامي منهج عقلاني في فهم النصوص وتفسيرها، ويقدم مثالاً لظاهرة فريدة يقوم فيها العلم القانوني لا الدولة بدور المشرع، وتكون فيها لمؤلفات العلماء قوة القانون". 

ويقول أبرز مؤرخي العلم العالمي جورج سارتون: "حادثه واحدة من أخصب الحوادث في نتائجها في تاريخ الإنسانية، ألا وهي ظهور الإسلام.؛ إن الفرق بين القرآن والإنجيل عظيم جداً وهو يرجع إلى أن القرآن الكريم يشتمل على جميع الأسس الضرورية للحياة الإسلامية (الدين والفقه والتشريع والتقويم واللغة)  ، والفتوح العربية لم تكن نتيجة صراع بين برابرة جياع وبين سكان مدن أخذوا يتقهقرون في سلم المدنية، بل كانت صراعاً بين دين جديد وثقافة جديدة ناشئة وبين ثقافات منحلة متعادية قلقة.؛إن التقدم الصحيح ومعناه تحسين صحيح لأحوال الحياة لا يمكن أن يُبنى على وثنية الآلات، ولكن يجب أن يقوم على الدين وعلى الفن وفوق كل ذلك على العلم القائم على محبة الله ومحبة الحقيقة وحب الجمال وحب العدل، وإن المشكلة الأساسية في عالمنا اليوم هي رفع المستوى الروحي لمجموع الناس، وكان تفوق العرب في ثباتهم وفي شدة حبهم للعلم". 
ويقول المستشرق الفرنسي كارادى فو: "والسبب الآخر لاهتمامنا بعلم العرب هو تأثيره العظيم في الغرب، فالعرب ارتقوا بالحياة العقلية والدراسة العلمية إلى المقام الأسمى في الوقت الذي كان العالم المسيحي يناضل نضال المستميت للانعتاق من أحابيل البربرية وأغلالها، لقد كان لهؤلاء العلماء (العرب) عقول حرة مستطلعة" 

ويقول المستشرق الأسباني جوان فيرفيه: "وإذا نحن تحرّينا الدقة نجد أن أصل التطور العلمي للرياضيات عند المسلمين يبدأ مع القران الكريم، وذلك فيما ورد في القرآن من الأحكام المعقدة في تقسيم الميراث، ويُعدّ الخوارزمي أول رياضي مسلم، ونحن مدينون له بمحاولة وضع تنظيم منهجي باللغة العربية لكل المعارف العلمية والتقويم، كما ندين له باللفظ الأسباني "غوارزمي" الذي يعني الترقيم (أي الأعداد ومنازلها والصفر)، وكان الجبر هو الميدان الثاني الذي عمل فيه الخوارزمي، وهو فرع من الرياضيات لم يكن حتى ذلك الوقت موضوعاً لأية دراسة منهجية جادة". 
ويقول المستشرق الإنجليزي جب: "وثمة ما يبرر الادعاء القائل: إن الشعر العربي له الفضل إلى حد ما في قيام الشعر الجديد بأوروبا، وإن كنا لا نستطيع السير طول الطريق مع البروفسور "ماكيال" الذي يقول مؤكدا :"كانت أوروبا مدينة بدينها إلى اليهودية، وكذلك هي مدينة بأدبها الروائي إلى العرب، وقليلون هم الذي ينكرون أن الحياة والنشاط وسعة الخيال التي تطبع الآداب الجنوبية يعود إلى الوسط الثقافي العربي في الأندلس خلال العصور المتقدمة، والى الفكر الذي أنشأته تلك الحضارة لدى الإنسان الأندلسي". 

ويقول المستشرق الروسي جرا بر: "إن العمارة الإسلامية نشأت بوصفها ظاهرة فريدة متميزة بذاتها انبثقت عن مجموع كبير معقد من الأشكال السابقة عليها أو المعاصرة لها، إنها مجرد مثل واحد لقدرة فريدة لدى المسلمين على تحويل عناصر شكلية أو وظيفية عديدة أخرى إلى شيء إسلامي، ومقدرة المسلمين الهائلة على تطويع الأشكال المستمدة من أقاليم عديدة مختلفة بحيث تلبي مقاصد الإسلام ومبادئه". 
وتقول المستشرقة الألمانية (سيجر يد هونكه) صاحبة الكتاب المهم والشهير "شمس العرب تسطع على الغرب": " يعمل العرب على إنقاذ تراث اليونان من الضياع والنسيان فقط، وهو الفضل الوحيد الذي جرت العادة على الاعتراف به لهم حتى الآن، ولم يقوموا بمجرد عرضه وتنظيمه وتزويده بالمعارف الخاصة ومن ثم إيصاله إلى أوروبا بحيث إن عدداً لا يُحصى من الكتب التعليمية العربية حتى القرنين (16-17) قدمت للجامعات أفضل مادة معرفية، فقدا كانوا -وهذا أمر قلما يخطر على بال الأوروبيين- المؤسّسين للكيمياء والفيزياء التطبيقية والجبر والحساب بالمفهوم المعاصر، وعلم المثلثات الكروي، وعلم طبقات الأرض، وعلم الاجتماع، وعلم الكلام" 

وتقول: "إن الإسلام أعظم ديانة على ظهر الأرض سماحة وإنصافاً نقولها بلا تحيز ودون أن نسمح للأحكام الظالمة أن تلطخه بالسواد، وإذا ما نحينا هذه المغالطات التاريخية الآثمة في حقه، والجهل به فإن علينا أن نتقبل هذا الشريك والصديق مع ضمان حقه في أن يكون كما هو". 
هذه نماذج من أقوال المفكرين الغربيين اقتبستها مما جمعه الدكتور محمد عمارة في كتابه المهم، وقد يكون عرضها مفيداً للمشتغلين بالعلاقة بين الإسلام والغرب والمثقفين المسلمين ليكونوا على تواصل مع الحركة العالمية القائمة اليوم في الاهتمام بالإسلام والمسلمين سواء على نحو عدائي أو لأجل الحوار.

الجمعة، 23 أغسطس 2013

أولى الصور في تاريخ المغرب 1859/1860



 في ظرف وجيز جدا لا يتعدى سنوات، أصبح أرشيف المغرب غنيا بالصور الفوتغرافية وأشرطة الفيديو بفضل التطور الكتنولوجي وخاصة الهواتف المحمولة التي تتوفر على كاميرا للتصوير والتسجيل. وزخم الصور الحالية مخالف لندرة الصور في الماضي وخاصة خلال القرن التاسع عشر. وحصلت ألف بوست على أول صورتين في تاريخ المغرب، الأولى لمنطقة الفنيدق حاليا، والثانية للأمير المولى العباس شقيق الملك محمد ابن عبد الرحمان، وكان ذلك سنتي 1859 و1860.
وفي هذا الصدد، يعاني المغرب من غياب الوثائق التاريخية بشكل مذهل، وأغلب الوثائق التي تؤرخ لفترات تاريخية حساسة من تاريخ البلاد توجد في أرشيف الدول الأوروبية خاصة بريطانيا وفرنسا واسبانيا. ويصبح الموضوع مدعاة للقلق عندما يتعلق الأمر بالصورة. فالصورة لم تحظى بأي اهتمام لدى المغاربة في القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين. وهذا الوضع يجعل المغرب الفوتغرافي موقع بأعين أجنبية وليس مغربية.
وانتشر نشاط التصوير في الغرب ابتداء من نهاية الثلاثينات من القرن التاسع عشر وحقق قفزة نوعية في الأربعينات والخمسينات منه.  ومقابل هذا الاهتمام في الغرب، رفض المغاربة الصورة بل وكذلك الفن التشكيلي في تلك الفترة تحت ذريعة أن التصوير مخالف لشرع الله.
والبحث عن أول صورة التقطت في المغرب أو أول مغربي جرى تصويره يتطلب البحث في الأرشيفات الأوروبية والأمريكية. وأغلب الصور حول المغرب المعروفة في الكتب التي تناولت موضوع التأريخ للصورة الفوتغرافية يعود تاريخها ابتداء من سنة 1880، تاريخ اتفاقية مدريد التي سمحت للأوروبيين بالإقامة في مدينة طنجة، وعليه، فقد استقدم الأوروبيون آلات التصوير وبدأوا ينجزون صورا.  وأغلب الصور الأولى تعود إلى منطقة شمال المغرب وأساسا مدينتي تطوان وطنجة، هذه الأخيرة كانت مقر الدبلوماسيين وتطوان لقربها من سبتة المحتلة، حيث كان بعض الإسبان يزورونها بين الحين والآخر. وتغيب صور مناطق مغربية أخرى بحكم أن السلطات المخزنية وقتها كانت تمنع الأجانب زيارة باقي مناطق البلاد حتى لا يتعرفوا على طبيعة المغرب وكيفية عيش سكانه ومكان تواجد مدنه وانتشار قوات. ولهذا، فكل السفارات والتمثيليات الدبلوماسية كانت في مدينة طنجة وليس في العاصمة فاس التي كانت شبه ممنوعة على الأجانب.

أول صورة عامة في تاريخ المغرب: الفنيدق في إقليم تطوان

PriumeraFotoMejoradaFnideq
واعتاد مؤرخو الصورة في المغرب اعتماد سنة 1870 كتاريخ لأول الصور في المغرب أنجزها فرنسيون وبشكل كبير ابتداء من 1880 مع مجموعة من المصورين مثل جيمس فالنتين، كابيا، بورتون هولمز.
وفي إطار البحث عن أول صورة موثقة في المغرب، عثرت ألف بوست على صور سابقة لهذه الفترة تعود إلى سنة أواخر 1859، وبالضبط خلال الحرب الإسبانية ضد المغرب أو ما يعرف بحرب تطوان.
الصورة الأولى وتقدم معسكرا للقوات الإسبانية بالقرب من المنطقة التي تعرف حاليا بالفنيدق، حيث تظهر في الصورة خيام الجنود الإسبان بالقرب من مسجد وبناية كان يتخذها المغاربة مقرا لمراقبة الإسبان في سبتة. وعثرت ألف بوست في أرشيف في مدينة غرناطة على الصور الأولى وأنجزت ما بين شهرين أكتوبر وديسمبر 1859 أي خلال بداية الحرب المذكورة.

أول صورة شخصية في تاريخ المغرب: المولى العباس

PrimeraFotoMejoradaAbbas
والصور الخاصة بالشخصيات المغربية هي عبارة عن لوحات قام بتصويرها فنانون أوروبيون عندما كانوا يرافقون الوفود الأوروبية وأبرز هؤلاء الفنان الفرنسي ديلكروا في زيارته الى المغرب سنة 1832. وأول صورة عثرت عليها ألف بوست هي التي تعود الى المولى العباس، وهو الأمير شقيق الملك محمد ابن عبد الرحمان، وتعود الى أواخر  أبريل 1860 عندما وقع المولى العباس اتفاقية السلام مع الإسبان في حرب تطوان.
الصورة الأولى التقطها مصور يعمل في الجيش الإسباني والبعض ينسبها إلى الصحفي الشهير وقتها بيدرو أنتونويودي ألاركون ومن ضمن ذلك المؤرخ أنتونيو إسبينا في كتاب له حول تاريخ الصحافة الإسبانية، والثانية تنسب إلى هذا الصحفي الذي كان يعيش في غرناطة وألف كتابا سنة 1860 اسمه “شاهد على حرب إفريقيا” (الإسبان يطلقون كذلك اسم حرب إفريقيا على حرب تطوان). لكن أحد أحفاد بيدرو أنتونيو دي ألاركون يؤكد أن ألاركون كان مسؤولا عن أدوات التصوير وكان هناك شخصا آخر هو الذي ينجز الصور وأنه يجب البحث في الأرشيفات العسكرية الإسبانية للحصول على اسمه. وطالما لم يتم التحقق من اسم المصور الرئيسي، تبقى هذه الصورة منسوبة الى بيدرو أنتونيو دي ألاركون.
وهكذا، فمنطقة الفنيدق تبقى حتى الآن أول منطقة جرى تصويرها في تاريخ المغرب كما أن القائد العسكري الأمير مولاي العباس هو أول مغربي يتم تصويره.