الشعوب العربية من أشد الشعوب التى تحتفظ بالجراح وتترجمها إلى سهام ترشق فى قلوب التاريخ.
بهذه الكلمات أفتح ملفاً سبق وفتحته صحافة المغرب عن أشهر السلاطين ورجال الصحافة والشعراء الذين خانوا وطنهم فى عهد الاستعمار، درساً أطلقته فى وجه خونة اليوم والغد واستعماره الجديد، استعمار الفكر والاقتصاد والثقافة ودعاة الديمقراطية التى ترتكبها باسمها الكبائر، ودعاة الدين والتدين الذى يتخذ ستاراً لارتكاب جرائم الاستعمار الحديث نعيش معاً قصة السلطان المسلوخ وقصة السلطان الدمية ونبحث عن الحقيقة الضائعة بين سطور خونة الكلمة من رجال الصحافة والشعراء.
من هم أشهر الخونة فى المغرب؟ سؤال كانت إجابته عبارة عن ملف ينبش فى ذاكرة المغرب المسكوت عنها وتطلع المغاربة على حقيقة الخونة الذين كانت لهم سلطة سياسية أو روحية أو علمية! ملف فتح قبل فضائح الفساد فى تونس التى هى جزء من المغرب العربى.
هذا الملف فتحه الكاتب الصحفى المغربى سليمان الريسونى، فى مجلة «أوال» وهى مجلة مسائية على حد تعريفها أسبوعية، تتحدث عما أسموه بالسلطان المسلوخ محمد المتوكل الذى خان أهله فسلخوا جلده! وشقوا بطنه! وحشوه بالتبن!
الحقيقة الضائعة لأدوار علماء
أزهر ورجال صحافة وشعراء
من هو مهندس الخونة؟
فرنسا مأوى للخونة
وعن السلطان الدمية محمد بن عرفة الذى أراد أن يصبح ملكاً فمات غريباً فى فرنسا! وبحثاً وراء الحقيقة الضائعة عندما كان مصطفى العلوى يدعو بالنصر فى راديو ماروك لبن عرفه!
إن هؤلاء الخونة كما وصفهم الكاتب رغبوا فى توجيه سلطاتهم الروحية «الدينية» والسياسية وحتى العلمية ضد إرادة المغاربة!
والمجلة مع الكاتب يسقطان ورقة التوت الأخيرة عن امتداد الخيانة فى حياتهم الراهنة وتكشف استناداً إلى مراجع تاريخية حقائق تكشف لأول مرة؟! يمكننا مع قراءة التاريخ وصل الماضى بالحاضر والتنبؤ بمستقبل الأمة العربية مع المستعمر الجديد؟
من هو السلطان المسلوخ؟
فى 1578 لجأ السلطان السعدى محمد المتوكل إلى ملك البرتغال سبستيان ليدعمه فى الحرب على وطنه! تلك المملكة التى خلعه منها عمه عبدالمالك بعد أن رأى استبداده وانشغاله عن شئون الحكم بالسهر والمجون وقتله لكل معارض من الأقربين، إذا نبهه مجرد التنبيه إلى أعماله حتى إنه لم يتورع عن قتل اثنين من إخوته! وسجن الثالث فى سنوات حكمه الأولى!
لجأ عمه إلى العثمانيين ليستنجد بهم لإنقاذ البلاد! ويبدو أن فكرة اللجوء للخارج هى فكرة متأصلة حينئذ لكن الفارق من يلجأ إلى من؟ والمسألة وجهات نظر!
لجأ العم عبدالمالك السعدى إلى العثمانيين وطالبهم بإنقاذ البلاد من ابن أخيه المراهق المستبد حسب وصف التاريخ لمقولة العم وبالفعل أمده الأتراك بخمسة آلاف من الجنود حينها أحس محمد المتوكل بأن عمه قريب من السيطرة على البلاد، فترك عرشه ولجأ هو الآخر إلى ملك البرتغال! يطلب نصرته على عمه.
وفى الوقت الذى لجأ فيه العم إلى العثمانيين لجأ ابن الأخ إلى الغرب الذى لا يقدم مساعدة بالطبع إلا فى مقابل، وبالفعل اشترط البرتغاليون على السلطان الخائن أن يمنحه مقابل إعادته إلى عرشه جميع شواطىء المملكة!
وكالعادة ولأن الخيانة ليست لديها دين ولا وطن إلا المصلحة المتبادلة للخونة، وافق محمد المتوكل وتعهد بذلك ولكى يبرر خيانته أمام علماء البلاد ونخبتها كتب رسالة يشرح فيها أسباب لجوئه إلى الغرب، ولكن النخبة والعلماء رفضوا كل مبررات محمد المتوكل «السلطان المسلوخ» بالاستعانة بالغرب وبيع البلاد وشواطئها لمن يساعدها حسب وجهة نظر الخائن وبالفعل تصدى له وقف المغاربة برئاسة السلطان السعدى وتحت قيادته 40 ألف مجاهد مغربى على الضفة الجنوبية من وادى المخازن فى مواجهة الملك سبستيان البرتغالى ومعه جيش مكون من 130 ألف جندى، ولم يتعد زمن المعركة خمس ساعات حيث استطاع المغاربة أن يهزموا جيشاً أكبر إمبراطوريات الدنيا وقتئذ!
أما السلطان الخائن محمد المتوكل ما إن رأى موت صديقه البرتغالى حتى هم بالفرار عبر قنطرة النهر، والتى كان الجيش المغربى قد هدمها وعثر عليه غريقاً فسلخوه وملئوا بطنه بالتبن وطافوا به فى أرجاء المغارب وعرف بعدها بالسلطان المسلوخ واستمرت الخيانات السلطانية على مر التاريخ والغرب لا يرفع عينه عن مداخل الوطن العربى!
السلطان الدمية
ومن السلطان المسلوخ إلى السلطان الدمية فى عام 1953، حيث نقلت سلطات الاستعمار الفرنسى رجلاً فى السبعين اسمه محمد بن عرفة حفيد السلطان مولاى محمد بن عبدالرحمن، وابن أخ الحسن الأول من بيته فى فاس إلى قصر التهامى الكلاوى بمراكش وأعلنته بدون إنذار ولا استئذان ولا استحياء كعادة المستعمرين سلطاناً على المغرب!
فقد اختار المقيم العام الفرنسى وهو يماثل المندوب السامى البريطانى فى مصر أيام الاحتلال البريطانى، اختار الانقلاب على محمد بن يوسف الذى كانت فرنسا قد اختارته أيضاً من قبل ليكون مجرد حاكم صورى على المغرب!
لكن محمد بن يوسف تجرأ على الاستعمار بما لديه من سلطة روحية على المطالبة بحق المغرب فى الاستقلال وقد اعتبر الاستعمار الفرنسى هذا التصرف خيانة طبعاً لفرنسا.
وبما أن الاستعمار الفرنسى قبل غيره كان يعرف أن سلطان المغرب يملك بالدرجة الأولى تلك السلطة الروحية فقد لجأ إلى شيوخ الصوفية للبحث عما يساعدها على كسر شوكة بن يوسف الروحية، فلم تجد أفضل من شيوخ الزوايا «الجوامع» والباشاوات والقادة الذين أعلنوا بين الناس أن السلطان بن يوسف قد خرج عن تقاليد الأمة وأعرافها حين سمح لبناته بالسفور والتعلم فى مدارس النصارى!
ولا بديل للمغاربة إلا هذا الشيخ الورع ابن عرفة!
وهكذا استعمل الاستعمار نغمة الفتنة الطائفية التى ابتدعوها بين دول الوطن العربى من بدايات القرن الماضى وحتى الآن ويا عالم ما الذى يخبئه لنا الغد؟
وبناء عليه تم نفى محمد الخامس إلى مدغشقر فى 1953، ونقل ابن عرفة من مراكش إلى الرباط حيث خرجت الجماهير تهتف باسم محمد بن يوسف ولكى يتقى المندوب السامى الفرنسى غضب الجماهير، على تنصيب ابن عرفة سلطاناً، ولكى يضمن له أكبر عدد من المبايعين حمل السلطان الدمية كما أسموه وأنزله بقصر المحنشة بمكناس لتلقى البيعة عن قواد المدينة وشيوخ الزوايا ثم نقله إلى فاس لنفس الغرض قبل أن يعيده إلى الرباط.
نيس فى فرنسا مأوى للخونة!
وهكذا لعب الاستعمار على الوتر الدينى واستغل السلطة الروحية الدينية ليحقق أغراضه الاستعمارية، وبالفعل خلال العامين اللذين حكم فيهما ابن عرفة تنازل السلطان الدمية عن سلطاته التنفيذية والتشريعية لفرنسا كما شكل المجالس البلدية المختلطة بحيث يمكن لفرنسا سيادة مماثلة للسيادة المغربية الوطنية.
ظلت الحال على ما هى عليه إلى أن عاد محمد الخامس من منفاه فى 1955، وعاش السلطان الدمية منبوذاً فى طنجة حتى استقلال المغرب فى 1956، غادر إلى مدينة نيس بفرنسا إلى أن مات فى 1976.
وكما استقبلت مدينة نيس فى فرنسا الخائن الأول استقبلت أيضاً عبدالحى الكنانى الذى عاش فيها غريباً، وترك ما يزيد على 500 كتاب فى الفقه والتصوف والسياسة إلا أن اشتهاره كخائن غطى على قيمته العلمية التى لم يعد يذكرها أحد!
لم يعد أحد يذكر أن الكنانى حصل على الرتبة العلمية الأولى بجامعة القرويين وفتح مكتبة عامة للطلبة والباحثين، كانت من أكبر المكتبات فى المغرب ولم يذكر له أنه ألف كتاباً يرد فيه على الحملة الاستعمارية التى كانت تقوم بها جريدة السعادة ضد السلطان مولاى عبدالحفيظ! وأن مولاى عبدالعزيز ومولاى عبدالحفيظ ومولاى يوسف ومحمد الخامس قد أولوه التوقير لمكانته العلمية كل هذا اختفى خلف تواطئه مع فرنسا ضد محمد الخامس!
ومن وجهة نظر التاريخ الحديث لخونة المغرب يقول الكاتب: إن الذى دفع هذا العالم الصوفى إلى ركوب هذه المغامرة التى انتهت به منبوذاً فى المنفى هو حقده على العلويين بسبب اعتقاله هو وأخيه ابن الفيص عقب تنازل مولاى عبدالحفيظ عن العرش، وأنه كتب يقول إنه ابتلى فيمن ابتلى فى محنة شقيقه الشيخ ابن الفيص واعتقل بالسجن بفاس عدة أشهر لقى أثناءها عكس ما كان يفترض أن يلقاه نتيجة نشاطه الوطنى والإسلامى المخلص! على حد كلامه ورؤيته الذاتية!
وهكذا وصم التاريخ الحديث عبدالحى الكتانى العالم المتصوف بالخيانة نتيجة تآمره على محمد الخامس، الذى أصبح من أكبر المتشددين خصومه حتى إنه عارض أن يخلف محمد الخامس سلطان علوى كابن عرفة بل إنه هذا الزاهد عبدالحى الكتانى لم يبد رفضاً ولا حتى تحفظاً عندما سجد أمامه قايد مالك بن الحسن مبايعاً إياه!
ولعل ما حدث جعل محمد الخامس يتبرأ من الزوايا ويعتبرها منبوذة من الشريعة بل إنه صرح فى رسالة وجهها عام 1953، إلى الرئيس الفرنسى آنذاك فانسان أوريول قائلاً: إن رئيس زاوية وهو الكتانى قام بحملة باسم الزواية التى نبذتها الشريعة الإسلامية قالها صراحة!
وهكذا أصبحت تفاسير وتخريجات وفتاوى تنسب للشريعة الإسلامية تحرم وتحلل حسب التوجهات السياسية داخل المغرب والتاريخ يعيد نفسه من القرن الماضى للقرن الحالى فيما يخص الشرائع السماوية وحشرها حشراً فى اللعبة السياسية العربية الغربية.
إن مصدر تلك الإدانة لعبدالحى الكتانى الذى اتهموه باستخدام الزوايا والمساجد فى خدمة فرنسا! مصدر هذا الاتهام من المؤرخ عبدالكريم الفيلالى، الذى قال إن الخيانة شىء متأصل فى الكتانى وأن تظاهره بالورع والعلم ليس إلا الشجرة التى تخفى غاية فضائحه وانحرافه الجنسى الذى وصل به إلى حد خيانة ولده واستباحة زوجته وعن ذلك يقول عبدالكريم الفيلالى، المنحرف عبدالحى الكتانى راود زوجة ابنة أبوبكر كما سارت بذلك الأخبار وعرفها أهل فاس.
مهندس الخونة
ومن خيانة لخيانة يستمر ملف فضح الخونة فى المغرب ففى نفس العام 1953، أصدر التهامى الكلاوى الذى أطلقوا عليه لقب مهندس الخونة أصدر بياناً أعرب فيه عن صداقته وإخلاصه لفرنسا وحقده على محمد الخامس مؤكداً فرنسا أنها إما أن تبادر بإبعاد محمد الخامس أو يستعدوا هم للرحيل.
ويؤكد المؤرخ عبدالكريم الفيلالى فى كتابه «التاريخ السياسى للمغرب العربى الكبير» أنه بعد هذا البيان بيومين وقع 270 من الباشاوات والقواد عريضة جاء فيها: «إننا معشر القواد فى مختلف الجهات المغربية ومن فى دائرتهم من المغاربة رجال حركة المعارضة والإصلاح! تحت رئاسة سعادة الباشا الحاج التهامى المزوارى الكلاوى فتقدم بكل شرف إلى سعادة المقيم العام للدولة الفرنسية الفخيمة بما يأتى.
بما أن السلطان سيدى محمد بن يوسف خرج عن جميع رجال المغرب العاملين واتبع طريقاً مخالفاً للقواعد الدينية بانتمائه للأحزاب المتطرفة غير المعترف بها وتطبيق مبادئها فى البلاد! الشىء الذى جعله يسير بالمغرب إلى طريق الهاوية! فإننا بصفتنا كبراء المغرب وأصحاب الحل والعقد ومن ذوى الغير على الدين الإسلامى!
تقدم لسعادة المقيم العام وللدولة الفرنسية طلب عزل السلطان عن الحكم وتنحيته عن العرش وإسناد هذا الأمر إلى من يستحقه!
وهكذا وللمرة الثالثة يستخدم الدين الإسلامى وفكرة السلطة الدينية فى الخيانة لصالح الغرب!
وبناء على هذا البيان ورداً عليه وبعد انكشاف مؤامرة الكلاوى ضد السلطان الشرعى خرجت فتوى شيخ الإسلام محمد بن العربى العلوى بتكفير الكلاوى ومن معه وإباحة دمائهم!
وقد تبنى تلك الفتوى 300 عالم فى كل أنحاء المغرب وحسب قولهم: إنه قد عززتها فى 18 يوليو 1953، فتوى من علماء الأزهر بتكفير الكلاوى ومروقة! ولم يقتصر الأمر على علماء المسلمين بل تعداه إلى المفكرين الفرنسيين! وهذا هو الغريب فى الأمر إنه حتى الأحرار من المفكرين الفرنسيين قد قالوا كلمتهم فى تلك الفتوى فى أحد اجتماعاتهم باللجنة الفرنسية المغربية بباريس، وتناول حيث قال المستشرق لويس ما سينيون شارحاً للحضور الفرنسى مسألة الشهادة فى الإسلام مؤكداً حسب ما نقله المؤرخ الفيلالى عن جريدة البصائر أن الشهادة ممنوعة على الماردين من الفاسقين ودور البغاء! وأن باشا مراكش لا يجوز له أن يؤدى شهادة ما لأنه يكسب من عدة دور للبغاء! فى مراكش ويشرف السفاح فى ميع أطراف المدينة!
وقد أحدث هذا التصريح الغريب بالنسبة للفكر الحر الغربى موجة من الضحك والسخرية من طرف الحاضرين!
أما الطريف بالنسبة لنا كقراء لتاريخ الخيانة فى مغارب البلاد أنه بعد عودة محمد الخامس من منفاه، ارتمى التهامى الكلاوى الملقب بمهندس الخيانة ارتماءة شهيرة تحت قدمى محمد الخامس ملتمساً منه العفو!
وبعد صدور لائحة الخونة ورد اسم التهامى الكلاوى وابنيه إبراهيم واحماد ضمنها وحكم عليهم بعدم الأهلية الوطنية لمدة 15 سنة مع مصادرة أملاكهم ولم يستطع التهامى الكلاوى احتمال تلك العقوبة ومات فى 13 يناير 1956.
ملف رجال الصحافة الخونة؟
تفتح الملفات لأصحاب الأقلام الخائنة فى تاريخ ما قبل الاستقلال المغربى عن الاستعمار الفرنسى فتذكر جريدة «الوداد» التى أسسها محمد اشماعو بمدينة سلا، والتى كلف بإدارتها عبدالرحمن الحجوى الذى كان مديراً للغرف التجارية آنذاك ولم يتوقع أحد من الوطنيين أن تصبح جريدة هذين المثقفين السلاويين إلى جانب جريدة اسمها «السعادة» لسان حال الاستعمار الفرنسى وأكبر بوق مهلل للاستعمار وضد الوطنيين، بحيث أصبحت تتنكر شيئاً فشيئاً لوطنيتها وتعلن انحيازها للاستعمار والمستعمر تارة بحجة احترام معاهدة 1912، وتارة بمبرر تجنب الفوضى ثم أخيراً بوقوفها مباشرة ضد الحركة الوطنية التى أصبحت تعتبرها شيوعية وضد قيم الوطن!
وبعد نفى محمد الخامس وفى عهد بن عرفة وجزاء لخط الجريدة الاستعمارى تم تعيين مديرها عبدالرحمن الحجوى مديراً للتشريفات فى قصر بن عرفة، وقد زاد هذا التعيين الحماسة للكتابة ضد الوطنيين ويؤكد الملف الصحفى المغربى فى هذه الأيام أن علماء الأزهر فى هذا الوقت قدموا فتواهم بتحريم التعاون مع فرنسا وتكفير كل من فعل ذلك.
وما كان من تلك الجريدة جريدة الحجوى كما أسموها التى اعتبرت أن حالة محمد الخامس مطابقة تماماً لحالة فاروق ملك مصر المخلوع واستغربت دفاع الأزهر عنه، كما ورد فى افتتاحية جريدة أخرى من جرائد الدفاع عن المستعمر والتى كان يحررها أيضاً الحجوى! وهى جريدة الوداد موجهاً مقالاته فى هجوم على الأزهر.
قائلاً: للذين لا اطلاع لهم على حقيقة السلطان المخلوع ولا يعرفون شيئاً عن إلحاده وزندقته إلا ما يتلقونه بواسطة أذنابه الذين هم على شاكلته والموجودين عندهم بالقاهرة، كما اتهمت محمد الخامس أنه يتلقى الرشوة ويبيع المناصب والوظائف وأن الملوك تتبدل والعرش يبقى! وقد صنفت لجنة التطهير المغربية بعد الاستقلال عبدالرحمن الحجوى ضمن لائحة الذين صدر ضدهم حكم بعدم الأهلية الوطنية والتجريد من كل حقوق المواطن لمدة 15 عاماً ومصادرة جميع أملاكهم.
ولاتزال الحقيقة ضائعة ضد مصطفى العلوى الإعلامى المغربى كما يقولون فى فتح ملفات رجال الإعلام والصحافة الخائنة المتعاملة مع المستعمر الفرنسى وعن تجربته «براديو ماروك» ومن المعروف أن راديو ماروك لم يكن موجهاً للمغاربة، بل كان بوقاً للخطاب السياسى الاستعمارى ولم يكن يسمح لأى من الوطنيين أو حتى المتعاطفين معهم بالاشتغال فيه بل كانت مجموعات العمل فى هذا الراديو تصف سكان الريف المنتفضين فى جبال الريف بأوصاف احتقار مهينة ومشينة كالمعتدين والجهل المنشقين، وإن هؤلاء الذين حملوا السلاح واعتصموا بالجبال، كلهم جهال قبل كل شىء.
ولاتزال الحقيقة ضائعة كما يصفها الكاتب المغربى الذى فتح ملف الخونة فى هذه الأيام وقد تعرض أيضاً لعلى بن الشريف العلوى وهو من أقدم الصحفيين المغاربة الذين بدأوا مشوارهم المهنى على أمواج راديو ماروك وهى الإذاعة التى كانت بوق فرنسا الاستعمارى، كما ذكرنا وكان له برنامج موصوم بعنوان بين الشرق والغرب وقد نعت بالتعامل مع سلطات الحماية ضد مقدسات البلاد.
من رجال الصحافة إلى الشعراء!
الشاعر محمد بن إبراهيم، هو شاعر الكلاوى! وبحلول 2010، يكون قد مضى على وفاة الشاعر 55 سنة فالشاعر الكلاسيكى كما أسموه تونى شهرين قبل الاستقلال ويقولون عنه إنه قد استطاعت قصائده أن تصلح ما أفسدته مواقفه إذ من المعروف شاعر الحمراء كما يسمونه كان موالياً لباشا مراكش التهامى الكلاوى ومدح السلطان الدمية، وله حادثتان بارزتان أولهما إدمانه الشراب وثانيهما تعرفه على الكلاوى فى الوقت الذى اشتد فيه الصراع بينه وبين الرأى العام الوطنى بالمغرب، ويقول عنه متسائلاً عبدالكريم غلاب فى كتابه عالم شاعر الحمراء: إنه لم يكتف بمدح الكلاوى بل سبق ومدح محمد الخامس! كما مدح ابن عرفة ثم مدح جنرالات فرنسا وكان يقول فى زعيم الخونة المغاربة التهامى الكلاوى كما وصفوه.
مثل التهامى ما فى الأرض من بطل
شهادة صدرت من أعظم الدول
هذى فرنسا وذا وسام عزتها
وأنت أنت عديم الند والمثل
كما قال عن فرنسا المستعمرة أيضاً. هذى فرنسا وهى خير حبيبة للعرش وهو لها أعز حبيب قد شاركتنا فى السرور بعيدة لله ما أحلى اتحاد الشعوب ومن هنا لهناك كما هى حال بعض الشعراء يقولون ما لا يفعلون وفى كل واد يتيهون نقشت كلماته وشعره الممجد للاستعمار ليكفيه أن يدخل فى زمرة الخونة فى ضمير الأمة المغربية.
من قراءتنا لتاريخ خونة المغرب نجد أن التاريخ يعيد نفسه فى العالم كله، فالخونة ليست لديهم أعراف ولا أديان ولا أوطان غير مصالحهم الدنيوية فى الحكم والسلطة والمال حتى لو لجأوا إلى العد و أياً كان هذا العدو عبر الأزمنة.
بهذه الكلمات أفتح ملفاً سبق وفتحته صحافة المغرب عن أشهر السلاطين ورجال الصحافة والشعراء الذين خانوا وطنهم فى عهد الاستعمار، درساً أطلقته فى وجه خونة اليوم والغد واستعماره الجديد، استعمار الفكر والاقتصاد والثقافة ودعاة الديمقراطية التى ترتكبها باسمها الكبائر، ودعاة الدين والتدين الذى يتخذ ستاراً لارتكاب جرائم الاستعمار الحديث نعيش معاً قصة السلطان المسلوخ وقصة السلطان الدمية ونبحث عن الحقيقة الضائعة بين سطور خونة الكلمة من رجال الصحافة والشعراء.
من هم أشهر الخونة فى المغرب؟ سؤال كانت إجابته عبارة عن ملف ينبش فى ذاكرة المغرب المسكوت عنها وتطلع المغاربة على حقيقة الخونة الذين كانت لهم سلطة سياسية أو روحية أو علمية! ملف فتح قبل فضائح الفساد فى تونس التى هى جزء من المغرب العربى.
هذا الملف فتحه الكاتب الصحفى المغربى سليمان الريسونى، فى مجلة «أوال» وهى مجلة مسائية على حد تعريفها أسبوعية، تتحدث عما أسموه بالسلطان المسلوخ محمد المتوكل الذى خان أهله فسلخوا جلده! وشقوا بطنه! وحشوه بالتبن!
الحقيقة الضائعة لأدوار علماء
أزهر ورجال صحافة وشعراء
من هو مهندس الخونة؟
فرنسا مأوى للخونة
وعن السلطان الدمية محمد بن عرفة الذى أراد أن يصبح ملكاً فمات غريباً فى فرنسا! وبحثاً وراء الحقيقة الضائعة عندما كان مصطفى العلوى يدعو بالنصر فى راديو ماروك لبن عرفه!
إن هؤلاء الخونة كما وصفهم الكاتب رغبوا فى توجيه سلطاتهم الروحية «الدينية» والسياسية وحتى العلمية ضد إرادة المغاربة!
والمجلة مع الكاتب يسقطان ورقة التوت الأخيرة عن امتداد الخيانة فى حياتهم الراهنة وتكشف استناداً إلى مراجع تاريخية حقائق تكشف لأول مرة؟! يمكننا مع قراءة التاريخ وصل الماضى بالحاضر والتنبؤ بمستقبل الأمة العربية مع المستعمر الجديد؟
من هو السلطان المسلوخ؟
فى 1578 لجأ السلطان السعدى محمد المتوكل إلى ملك البرتغال سبستيان ليدعمه فى الحرب على وطنه! تلك المملكة التى خلعه منها عمه عبدالمالك بعد أن رأى استبداده وانشغاله عن شئون الحكم بالسهر والمجون وقتله لكل معارض من الأقربين، إذا نبهه مجرد التنبيه إلى أعماله حتى إنه لم يتورع عن قتل اثنين من إخوته! وسجن الثالث فى سنوات حكمه الأولى!
لجأ عمه إلى العثمانيين ليستنجد بهم لإنقاذ البلاد! ويبدو أن فكرة اللجوء للخارج هى فكرة متأصلة حينئذ لكن الفارق من يلجأ إلى من؟ والمسألة وجهات نظر!
لجأ العم عبدالمالك السعدى إلى العثمانيين وطالبهم بإنقاذ البلاد من ابن أخيه المراهق المستبد حسب وصف التاريخ لمقولة العم وبالفعل أمده الأتراك بخمسة آلاف من الجنود حينها أحس محمد المتوكل بأن عمه قريب من السيطرة على البلاد، فترك عرشه ولجأ هو الآخر إلى ملك البرتغال! يطلب نصرته على عمه.
وفى الوقت الذى لجأ فيه العم إلى العثمانيين لجأ ابن الأخ إلى الغرب الذى لا يقدم مساعدة بالطبع إلا فى مقابل، وبالفعل اشترط البرتغاليون على السلطان الخائن أن يمنحه مقابل إعادته إلى عرشه جميع شواطىء المملكة!
وكالعادة ولأن الخيانة ليست لديها دين ولا وطن إلا المصلحة المتبادلة للخونة، وافق محمد المتوكل وتعهد بذلك ولكى يبرر خيانته أمام علماء البلاد ونخبتها كتب رسالة يشرح فيها أسباب لجوئه إلى الغرب، ولكن النخبة والعلماء رفضوا كل مبررات محمد المتوكل «السلطان المسلوخ» بالاستعانة بالغرب وبيع البلاد وشواطئها لمن يساعدها حسب وجهة نظر الخائن وبالفعل تصدى له وقف المغاربة برئاسة السلطان السعدى وتحت قيادته 40 ألف مجاهد مغربى على الضفة الجنوبية من وادى المخازن فى مواجهة الملك سبستيان البرتغالى ومعه جيش مكون من 130 ألف جندى، ولم يتعد زمن المعركة خمس ساعات حيث استطاع المغاربة أن يهزموا جيشاً أكبر إمبراطوريات الدنيا وقتئذ!
أما السلطان الخائن محمد المتوكل ما إن رأى موت صديقه البرتغالى حتى هم بالفرار عبر قنطرة النهر، والتى كان الجيش المغربى قد هدمها وعثر عليه غريقاً فسلخوه وملئوا بطنه بالتبن وطافوا به فى أرجاء المغارب وعرف بعدها بالسلطان المسلوخ واستمرت الخيانات السلطانية على مر التاريخ والغرب لا يرفع عينه عن مداخل الوطن العربى!
السلطان الدمية
ومن السلطان المسلوخ إلى السلطان الدمية فى عام 1953، حيث نقلت سلطات الاستعمار الفرنسى رجلاً فى السبعين اسمه محمد بن عرفة حفيد السلطان مولاى محمد بن عبدالرحمن، وابن أخ الحسن الأول من بيته فى فاس إلى قصر التهامى الكلاوى بمراكش وأعلنته بدون إنذار ولا استئذان ولا استحياء كعادة المستعمرين سلطاناً على المغرب!
فقد اختار المقيم العام الفرنسى وهو يماثل المندوب السامى البريطانى فى مصر أيام الاحتلال البريطانى، اختار الانقلاب على محمد بن يوسف الذى كانت فرنسا قد اختارته أيضاً من قبل ليكون مجرد حاكم صورى على المغرب!
لكن محمد بن يوسف تجرأ على الاستعمار بما لديه من سلطة روحية على المطالبة بحق المغرب فى الاستقلال وقد اعتبر الاستعمار الفرنسى هذا التصرف خيانة طبعاً لفرنسا.
وبما أن الاستعمار الفرنسى قبل غيره كان يعرف أن سلطان المغرب يملك بالدرجة الأولى تلك السلطة الروحية فقد لجأ إلى شيوخ الصوفية للبحث عما يساعدها على كسر شوكة بن يوسف الروحية، فلم تجد أفضل من شيوخ الزوايا «الجوامع» والباشاوات والقادة الذين أعلنوا بين الناس أن السلطان بن يوسف قد خرج عن تقاليد الأمة وأعرافها حين سمح لبناته بالسفور والتعلم فى مدارس النصارى!
ولا بديل للمغاربة إلا هذا الشيخ الورع ابن عرفة!
وهكذا استعمل الاستعمار نغمة الفتنة الطائفية التى ابتدعوها بين دول الوطن العربى من بدايات القرن الماضى وحتى الآن ويا عالم ما الذى يخبئه لنا الغد؟
وبناء عليه تم نفى محمد الخامس إلى مدغشقر فى 1953، ونقل ابن عرفة من مراكش إلى الرباط حيث خرجت الجماهير تهتف باسم محمد بن يوسف ولكى يتقى المندوب السامى الفرنسى غضب الجماهير، على تنصيب ابن عرفة سلطاناً، ولكى يضمن له أكبر عدد من المبايعين حمل السلطان الدمية كما أسموه وأنزله بقصر المحنشة بمكناس لتلقى البيعة عن قواد المدينة وشيوخ الزوايا ثم نقله إلى فاس لنفس الغرض قبل أن يعيده إلى الرباط.
نيس فى فرنسا مأوى للخونة!
وهكذا لعب الاستعمار على الوتر الدينى واستغل السلطة الروحية الدينية ليحقق أغراضه الاستعمارية، وبالفعل خلال العامين اللذين حكم فيهما ابن عرفة تنازل السلطان الدمية عن سلطاته التنفيذية والتشريعية لفرنسا كما شكل المجالس البلدية المختلطة بحيث يمكن لفرنسا سيادة مماثلة للسيادة المغربية الوطنية.
ظلت الحال على ما هى عليه إلى أن عاد محمد الخامس من منفاه فى 1955، وعاش السلطان الدمية منبوذاً فى طنجة حتى استقلال المغرب فى 1956، غادر إلى مدينة نيس بفرنسا إلى أن مات فى 1976.
وكما استقبلت مدينة نيس فى فرنسا الخائن الأول استقبلت أيضاً عبدالحى الكنانى الذى عاش فيها غريباً، وترك ما يزيد على 500 كتاب فى الفقه والتصوف والسياسة إلا أن اشتهاره كخائن غطى على قيمته العلمية التى لم يعد يذكرها أحد!
لم يعد أحد يذكر أن الكنانى حصل على الرتبة العلمية الأولى بجامعة القرويين وفتح مكتبة عامة للطلبة والباحثين، كانت من أكبر المكتبات فى المغرب ولم يذكر له أنه ألف كتاباً يرد فيه على الحملة الاستعمارية التى كانت تقوم بها جريدة السعادة ضد السلطان مولاى عبدالحفيظ! وأن مولاى عبدالعزيز ومولاى عبدالحفيظ ومولاى يوسف ومحمد الخامس قد أولوه التوقير لمكانته العلمية كل هذا اختفى خلف تواطئه مع فرنسا ضد محمد الخامس!
ومن وجهة نظر التاريخ الحديث لخونة المغرب يقول الكاتب: إن الذى دفع هذا العالم الصوفى إلى ركوب هذه المغامرة التى انتهت به منبوذاً فى المنفى هو حقده على العلويين بسبب اعتقاله هو وأخيه ابن الفيص عقب تنازل مولاى عبدالحفيظ عن العرش، وأنه كتب يقول إنه ابتلى فيمن ابتلى فى محنة شقيقه الشيخ ابن الفيص واعتقل بالسجن بفاس عدة أشهر لقى أثناءها عكس ما كان يفترض أن يلقاه نتيجة نشاطه الوطنى والإسلامى المخلص! على حد كلامه ورؤيته الذاتية!
وهكذا وصم التاريخ الحديث عبدالحى الكتانى العالم المتصوف بالخيانة نتيجة تآمره على محمد الخامس، الذى أصبح من أكبر المتشددين خصومه حتى إنه عارض أن يخلف محمد الخامس سلطان علوى كابن عرفة بل إنه هذا الزاهد عبدالحى الكتانى لم يبد رفضاً ولا حتى تحفظاً عندما سجد أمامه قايد مالك بن الحسن مبايعاً إياه!
ولعل ما حدث جعل محمد الخامس يتبرأ من الزوايا ويعتبرها منبوذة من الشريعة بل إنه صرح فى رسالة وجهها عام 1953، إلى الرئيس الفرنسى آنذاك فانسان أوريول قائلاً: إن رئيس زاوية وهو الكتانى قام بحملة باسم الزواية التى نبذتها الشريعة الإسلامية قالها صراحة!
وهكذا أصبحت تفاسير وتخريجات وفتاوى تنسب للشريعة الإسلامية تحرم وتحلل حسب التوجهات السياسية داخل المغرب والتاريخ يعيد نفسه من القرن الماضى للقرن الحالى فيما يخص الشرائع السماوية وحشرها حشراً فى اللعبة السياسية العربية الغربية.
إن مصدر تلك الإدانة لعبدالحى الكتانى الذى اتهموه باستخدام الزوايا والمساجد فى خدمة فرنسا! مصدر هذا الاتهام من المؤرخ عبدالكريم الفيلالى، الذى قال إن الخيانة شىء متأصل فى الكتانى وأن تظاهره بالورع والعلم ليس إلا الشجرة التى تخفى غاية فضائحه وانحرافه الجنسى الذى وصل به إلى حد خيانة ولده واستباحة زوجته وعن ذلك يقول عبدالكريم الفيلالى، المنحرف عبدالحى الكتانى راود زوجة ابنة أبوبكر كما سارت بذلك الأخبار وعرفها أهل فاس.
مهندس الخونة
ومن خيانة لخيانة يستمر ملف فضح الخونة فى المغرب ففى نفس العام 1953، أصدر التهامى الكلاوى الذى أطلقوا عليه لقب مهندس الخونة أصدر بياناً أعرب فيه عن صداقته وإخلاصه لفرنسا وحقده على محمد الخامس مؤكداً فرنسا أنها إما أن تبادر بإبعاد محمد الخامس أو يستعدوا هم للرحيل.
ويؤكد المؤرخ عبدالكريم الفيلالى فى كتابه «التاريخ السياسى للمغرب العربى الكبير» أنه بعد هذا البيان بيومين وقع 270 من الباشاوات والقواد عريضة جاء فيها: «إننا معشر القواد فى مختلف الجهات المغربية ومن فى دائرتهم من المغاربة رجال حركة المعارضة والإصلاح! تحت رئاسة سعادة الباشا الحاج التهامى المزوارى الكلاوى فتقدم بكل شرف إلى سعادة المقيم العام للدولة الفرنسية الفخيمة بما يأتى.
بما أن السلطان سيدى محمد بن يوسف خرج عن جميع رجال المغرب العاملين واتبع طريقاً مخالفاً للقواعد الدينية بانتمائه للأحزاب المتطرفة غير المعترف بها وتطبيق مبادئها فى البلاد! الشىء الذى جعله يسير بالمغرب إلى طريق الهاوية! فإننا بصفتنا كبراء المغرب وأصحاب الحل والعقد ومن ذوى الغير على الدين الإسلامى!
تقدم لسعادة المقيم العام وللدولة الفرنسية طلب عزل السلطان عن الحكم وتنحيته عن العرش وإسناد هذا الأمر إلى من يستحقه!
وهكذا وللمرة الثالثة يستخدم الدين الإسلامى وفكرة السلطة الدينية فى الخيانة لصالح الغرب!
وبناء على هذا البيان ورداً عليه وبعد انكشاف مؤامرة الكلاوى ضد السلطان الشرعى خرجت فتوى شيخ الإسلام محمد بن العربى العلوى بتكفير الكلاوى ومن معه وإباحة دمائهم!
وقد تبنى تلك الفتوى 300 عالم فى كل أنحاء المغرب وحسب قولهم: إنه قد عززتها فى 18 يوليو 1953، فتوى من علماء الأزهر بتكفير الكلاوى ومروقة! ولم يقتصر الأمر على علماء المسلمين بل تعداه إلى المفكرين الفرنسيين! وهذا هو الغريب فى الأمر إنه حتى الأحرار من المفكرين الفرنسيين قد قالوا كلمتهم فى تلك الفتوى فى أحد اجتماعاتهم باللجنة الفرنسية المغربية بباريس، وتناول حيث قال المستشرق لويس ما سينيون شارحاً للحضور الفرنسى مسألة الشهادة فى الإسلام مؤكداً حسب ما نقله المؤرخ الفيلالى عن جريدة البصائر أن الشهادة ممنوعة على الماردين من الفاسقين ودور البغاء! وأن باشا مراكش لا يجوز له أن يؤدى شهادة ما لأنه يكسب من عدة دور للبغاء! فى مراكش ويشرف السفاح فى ميع أطراف المدينة!
وقد أحدث هذا التصريح الغريب بالنسبة للفكر الحر الغربى موجة من الضحك والسخرية من طرف الحاضرين!
أما الطريف بالنسبة لنا كقراء لتاريخ الخيانة فى مغارب البلاد أنه بعد عودة محمد الخامس من منفاه، ارتمى التهامى الكلاوى الملقب بمهندس الخيانة ارتماءة شهيرة تحت قدمى محمد الخامس ملتمساً منه العفو!
وبعد صدور لائحة الخونة ورد اسم التهامى الكلاوى وابنيه إبراهيم واحماد ضمنها وحكم عليهم بعدم الأهلية الوطنية لمدة 15 سنة مع مصادرة أملاكهم ولم يستطع التهامى الكلاوى احتمال تلك العقوبة ومات فى 13 يناير 1956.
ملف رجال الصحافة الخونة؟
تفتح الملفات لأصحاب الأقلام الخائنة فى تاريخ ما قبل الاستقلال المغربى عن الاستعمار الفرنسى فتذكر جريدة «الوداد» التى أسسها محمد اشماعو بمدينة سلا، والتى كلف بإدارتها عبدالرحمن الحجوى الذى كان مديراً للغرف التجارية آنذاك ولم يتوقع أحد من الوطنيين أن تصبح جريدة هذين المثقفين السلاويين إلى جانب جريدة اسمها «السعادة» لسان حال الاستعمار الفرنسى وأكبر بوق مهلل للاستعمار وضد الوطنيين، بحيث أصبحت تتنكر شيئاً فشيئاً لوطنيتها وتعلن انحيازها للاستعمار والمستعمر تارة بحجة احترام معاهدة 1912، وتارة بمبرر تجنب الفوضى ثم أخيراً بوقوفها مباشرة ضد الحركة الوطنية التى أصبحت تعتبرها شيوعية وضد قيم الوطن!
وبعد نفى محمد الخامس وفى عهد بن عرفة وجزاء لخط الجريدة الاستعمارى تم تعيين مديرها عبدالرحمن الحجوى مديراً للتشريفات فى قصر بن عرفة، وقد زاد هذا التعيين الحماسة للكتابة ضد الوطنيين ويؤكد الملف الصحفى المغربى فى هذه الأيام أن علماء الأزهر فى هذا الوقت قدموا فتواهم بتحريم التعاون مع فرنسا وتكفير كل من فعل ذلك.
وما كان من تلك الجريدة جريدة الحجوى كما أسموها التى اعتبرت أن حالة محمد الخامس مطابقة تماماً لحالة فاروق ملك مصر المخلوع واستغربت دفاع الأزهر عنه، كما ورد فى افتتاحية جريدة أخرى من جرائد الدفاع عن المستعمر والتى كان يحررها أيضاً الحجوى! وهى جريدة الوداد موجهاً مقالاته فى هجوم على الأزهر.
قائلاً: للذين لا اطلاع لهم على حقيقة السلطان المخلوع ولا يعرفون شيئاً عن إلحاده وزندقته إلا ما يتلقونه بواسطة أذنابه الذين هم على شاكلته والموجودين عندهم بالقاهرة، كما اتهمت محمد الخامس أنه يتلقى الرشوة ويبيع المناصب والوظائف وأن الملوك تتبدل والعرش يبقى! وقد صنفت لجنة التطهير المغربية بعد الاستقلال عبدالرحمن الحجوى ضمن لائحة الذين صدر ضدهم حكم بعدم الأهلية الوطنية والتجريد من كل حقوق المواطن لمدة 15 عاماً ومصادرة جميع أملاكهم.
ولاتزال الحقيقة ضائعة ضد مصطفى العلوى الإعلامى المغربى كما يقولون فى فتح ملفات رجال الإعلام والصحافة الخائنة المتعاملة مع المستعمر الفرنسى وعن تجربته «براديو ماروك» ومن المعروف أن راديو ماروك لم يكن موجهاً للمغاربة، بل كان بوقاً للخطاب السياسى الاستعمارى ولم يكن يسمح لأى من الوطنيين أو حتى المتعاطفين معهم بالاشتغال فيه بل كانت مجموعات العمل فى هذا الراديو تصف سكان الريف المنتفضين فى جبال الريف بأوصاف احتقار مهينة ومشينة كالمعتدين والجهل المنشقين، وإن هؤلاء الذين حملوا السلاح واعتصموا بالجبال، كلهم جهال قبل كل شىء.
ولاتزال الحقيقة ضائعة كما يصفها الكاتب المغربى الذى فتح ملف الخونة فى هذه الأيام وقد تعرض أيضاً لعلى بن الشريف العلوى وهو من أقدم الصحفيين المغاربة الذين بدأوا مشوارهم المهنى على أمواج راديو ماروك وهى الإذاعة التى كانت بوق فرنسا الاستعمارى، كما ذكرنا وكان له برنامج موصوم بعنوان بين الشرق والغرب وقد نعت بالتعامل مع سلطات الحماية ضد مقدسات البلاد.
من رجال الصحافة إلى الشعراء!
الشاعر محمد بن إبراهيم، هو شاعر الكلاوى! وبحلول 2010، يكون قد مضى على وفاة الشاعر 55 سنة فالشاعر الكلاسيكى كما أسموه تونى شهرين قبل الاستقلال ويقولون عنه إنه قد استطاعت قصائده أن تصلح ما أفسدته مواقفه إذ من المعروف شاعر الحمراء كما يسمونه كان موالياً لباشا مراكش التهامى الكلاوى ومدح السلطان الدمية، وله حادثتان بارزتان أولهما إدمانه الشراب وثانيهما تعرفه على الكلاوى فى الوقت الذى اشتد فيه الصراع بينه وبين الرأى العام الوطنى بالمغرب، ويقول عنه متسائلاً عبدالكريم غلاب فى كتابه عالم شاعر الحمراء: إنه لم يكتف بمدح الكلاوى بل سبق ومدح محمد الخامس! كما مدح ابن عرفة ثم مدح جنرالات فرنسا وكان يقول فى زعيم الخونة المغاربة التهامى الكلاوى كما وصفوه.
مثل التهامى ما فى الأرض من بطل
شهادة صدرت من أعظم الدول
هذى فرنسا وذا وسام عزتها
وأنت أنت عديم الند والمثل
كما قال عن فرنسا المستعمرة أيضاً. هذى فرنسا وهى خير حبيبة للعرش وهو لها أعز حبيب قد شاركتنا فى السرور بعيدة لله ما أحلى اتحاد الشعوب ومن هنا لهناك كما هى حال بعض الشعراء يقولون ما لا يفعلون وفى كل واد يتيهون نقشت كلماته وشعره الممجد للاستعمار ليكفيه أن يدخل فى زمرة الخونة فى ضمير الأمة المغربية.
من قراءتنا لتاريخ خونة المغرب نجد أن التاريخ يعيد نفسه فى العالم كله، فالخونة ليست لديهم أعراف ولا أديان ولا أوطان غير مصالحهم الدنيوية فى الحكم والسلطة والمال حتى لو لجأوا إلى العد و أياً كان هذا العدو عبر الأزمنة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق