مدخـل عـام:
تحيل تسمية بلاد الريف أو إقليم الريف على الجهة الشمالية من المغرب. وقد
تواتر ذكر هذا المصطلح في أمهات المصادر التاريخية والمصنفات الجغرافية
وكتب التراجم المغربية الإسلامية والوثائق الرسمية والكتابات الأجنبية
للدلالة تارة على التجمعات القبلية الأولى التي شكلت قاعدة لإمارة نكور في
عهد بني صالح طوال القرون الثلاث الهجرية الأولى وما بعدها. وتارة للتعبير
عن كل الشريط الساحلي المتوسطي الممتدة من أعمدة هرقل والبوغاز غربا إلى
نهر ملوية شرقا، ومن البحر المتوسط شمالا إلى تلال مقدمة الريف وأحواز نهر
ورغـة جنوبا. وسواء أكان هذا المصطلح يعني لغويـــا، ريف العدوة، أي
العدوة المغربية مقابل العدوة الأندلسية، أو هو ترجمة عربية للتسمية
الأصلية الأمازيغية لهذه المنطقة وهي تمسامان، وهي كلمة مركبة من " تمس "
أي: ما قارب، و "أمان" أي: الماء. و من ثم ترجم اسم البلد تمسامان إلى
اللغة العربية فأصبح متداولا في الكتب العربية بعبارة الريف التي تعني "ما
قارب الماء". فإنه من الناحية الاصطلاحية يحيل على التمدن والتحضر، وهو
التفسير الذي نجده في لسان العرب لهذه المفردة، أي: الخصب والسعة في
المأكل. ومن ثم يكون الريف مرادفا للحضارة وليس البداوة بدليل قول أحدهم:
كنا أهل ضرع ولم نكن أهل ريــــف، أي: كنا من أهل البادية لا من أهل
المدن.
وكباقي الأقاليم التاريخية المغربية، فإن منطقة الريف كإقليم إداري متميز
ترسخ على امتداد القرون اللاحقة إلى يومنا هذا. بيد أن علاقة هذه الجهة
بالدولة المركزية المغربية أولت تأويلا مغرضا ومغاليا بحكم الإيديولوجيا
الكولونيالية والسوسيولوجيا الاستعمارية والافتراءات التي نسجت حول حرب
الريف وأهدافها الوطنية النبيلة ناهيك عن إساءة فهم مطالب انتفاضة الريف
بعيد الاستقلال.
من المؤكد أن مواجهة الأحكام الجاهزة والمسبقة التي روج لها منظرو عهد
الاستعمار كمقولة "بلاد المخزن" و "بلاد السيبة" قد أسالت كثيرا من الحبر
على يد الجيل الأول من المؤرخين المغاربة الذين تصدوا لمثل هذه المقولات،
غير أن ردود الأطروحة الوطنية على رواد المدرسة الفرنسية بالخصوص، قد اهتمت
بالتاريخ الوطني في شموليته بينما لم يحظ الريف سوى بالنزر القليل من هذه
المجهودات ومنها كتابات جرمان عياش و بالأخص أطروحته حول أصول حرب الريف.
وإذا كان المغاربة اليوم قد قطعوا أشواطا بعيدة في بناء الدولة المستقلة
والديمقراطية وعبروا شعبا وحكومة عن المصالحة حتى مع تاريخهم القريب، فإن
إعادة النظر في الأساطير التي راجت حول الريف والريفيين وعلاقتهم بالمخزن
ونقد النظريات البنيوية الأنجلوساكسونية التي اهتمت بدراسة البنيات
الاجتماعية بالشمال يستلزم مزيدا من التنقيب العلمي ويتطلب تضافر جهود
الباحثين من مختلف التخصصات العلمية لاستجلاء العمق الحقيقي لتلك العلاقة.
في هذا الإطار تندرج هذه المقاربة المتواضعة التي تحاول أن تتبين طبيعة
صيرورة العلاقة بين الجهة الريفية والسلطة المركزية المغربية استنادا إلى
جملة من الوثائق الرسمية والمحلية والمصادر المغربية والأجنبية.
الخصوصية السياسية للجهة الريفية
بعد سقوط مدينة سبتة سنة 1415م. و توسع الغزو الإيبيري في السواحل
المغربية، أصبحت الواجهة المتوسطية للمغرب حدا فاصلا بين "دار الكفر" و"دار
الإسلام"، وبالتالي انتظمت وظيفة الجهة الريفية كثغر من الثغور المغربية،
بمعنى أنها أصبحت تتحمل عبء المرابطة والقيام بالجهاد لحماية البلاد
والعباد من الخطر الأجنبي. ومع أن حماية الثغور حق من حقوق الرعية على
السلطان، فقد كان هذا الأخير يتغاضى عن مطالبة ساكنة السواحل الريفية من
أنجرة إلى كبدانة، بأداء الأعشار والجبايات إلا ما كان يدخل في إطار شراء
السلاح وتوزيعه على المجاهدين. وحتى هذه العملية كان المركز المخزني يفوضها
للزوايا المحلية ضمن مجموعة من الامتيازات المخولة لها بواسطة ظهائر
التوقير والاحترام. وهذه السياسة سنها السعديون ثم العلويون من بعدهم.
وإذا كان سلاطين الدولة السعدية قد اعتمدوا في سياستهم إزاء الجهة
الريفية على تأييد ومساندة مؤسسة الزوايا الدينية المؤطرة للرُّبط
والمجاهدين كزاوية "تازروت" الريسونية ببني عروس جبالة، والزاوية الحسونية
بأدوز بقوية، فإن الملوك العلويين الأوائل قد سنوا سياسة جهوية يمكن نعتها
بالموسعة ليس فقط بفضل إخلاص بعض الزوايا المتنفذة كالوزانية الأم وفروعها،
ولكن عبر منح الجهة الريفية من طنجة وما والاها إلى ملوية وأحوازها حكما
شبيها بـ " الحكم الذاتي " حسب الاصطلاح المعاصر، وذلك بأن أسند المخزن
المركزي تسيير المنطقة الريفية كلها لأهل الريف على امتداد قرنين من الزمن
من منتصف القرن 17م. إلى منتصف القرن 19م. مع بعض الحالات الاستثنائية.
ففيما كانت إدارة الشؤون الداخلية للمنطقة موكولة للقبائل المحلية عبر
مؤسساتها العرفية كمجلس الأشياخ المعروف باسم أكراو ن " أيْتاربعينْ " وكذا
أهل الحل والعقد من الأعيان الدينيين والدنيويين في تعايش وتكامل بين
العرف والشرع، كانت سلطة الجهة العليا بيد مؤسسة سياسية عُرفت في الوثائق
المخزنية باسم "عامل الريف".
الريف ودولة المخزن
1- السياسة اللامركزية: مؤسسة عـامل الريـف
يرجع تاريخ ظهور هذا النوع من القيادة العامة على "إيـالة الريـف" وباقي
المقاطعات الشمالية، إلى عهد المولى الرشيد، ولاسيما إلى عهد المولى
إسماعيل (1673- 1721 )، وكان يُشترط في تعيين هذا العـامل أن يكون من أصل
ريفي وغالبا ما كان ينتمي إلى أسر مشهود لها بالشجاعة تنحدر من الريف؛
كانت، في البداية، عبارة عن فرق محاربة تابعة لجنـد الدولة عُهدت إليها
مسؤولية تحرير الموانئ المغربية من الاحتلال الأجنبي تحت قيادة زعماء
أشهرهم كانوا من قبيلة تمسامـان فيما عُرف في مصادر التاريخ بـ "جيش
المجاهدين الريفيين". ونظرا للنجاح الكبير الذي حققه هذا "الجيش الريفي" في
استرجاع المدن الساحلية المحتلة من المهدية إلى طنجة في ظرف وجيز من 1681
إلى 1691. فقد أجاز السلطان المولى إسماعيل لآل الريـف بتعمير تلكم المراسي
والاستقرار في أحوازها، وبالأخص في فحص طنجة حيث منح لهم امتيازات
إقطاعية.
ونعلم
من إشارة دالة أوردها المؤرخ عبد الكريم بن موسى الريفي الذي عاصر تلك
المرحلة، أن "أولاد الريفي" هؤلاء، قد تبوأوا منصب القيادة على ناحية
جبالة، الفحص وكل الشمال منذ سنة 1084 / 1673، إذ، وكما يقول، ابتداء من: "
تلك الـسنة وأهـل الريف عمال على تلك البـلاد وعلى الريـف وكـارت " .
وكان
عامل الريف يسير ويشرف على الجهة الريفية بأكملها انطلاقا من مقر إقامته
في طنجة أو تطوان اعتمادا على وساطة خلفائه المحليين الذين كانوا يسهرون
بالدرجة الأولى على تنظيم العسس البحرية المنتشرة على طول الساحل المتوسطي
من سبتة إلى مليلة، وهذا ما يفسر تسميته أيضا في وثائق تلك المرحلة "بعامل
الثغور". أما لقبه الثالث أي، "نائب الملك"، فهو دليل على الدور الدبلوماسي
الذي كان يضطلع به، بحيث كان ينوب عن السلطان فيما يخص الشؤون الخارجية،
ولا سيما تلك التي تهم المنطقة الريفية، كالعلاقات التجارية الخارجية
والمفاوضات السياسية مع الدول الأجنبية .
بيد أن هذه السياسة المخزنية في شمال البلاد كانت تتأثر أحيانا بتبدل
سياسة بعض السلاطين وبالأخص مواقفهم إزاء القوى الأوروبية. فبعدما رفع
السلطان محمد بن عبد الله (1757- 1790 ) الحصار عن مليلة وتوقيعه الهدنة
مع إسبانيا برا وبحرا، قام المولى سليمان ( 1792- 1822 ) بإبطال الجهاد
البحري في الريف انسجاما مع سياسته الاحترازية وأعرض عن شؤون البحر رأسا
على حد قول صاحب الاستقصا، فتدهورت العلاقة العامة بين القبائل الريفية
والمركز المخزني في عهده. وكان أن تعددت الحـرْكات السلطانية التي مهدت تلك
النواحي.
إن الاحتقان الذي أصاب علاقة قبائل الريف بالسلطة المركزية راجع بدون شك،
إلى فقدان تلك القبائل للامتيازات الجبائية التي كانت تستفيد منها مقابل
المرابطة والدفاع عن الثغور، ناهيك عن أزمة الثقة في الولاة الجدد، حيث
كانت تتخوف من استبداد القياد الموفدين من خارج المنطقة وتحتاط من جشعهم
وشططهم الجبائي، الشيء الذي جعلها تتوجس من هذه السياسة الجديدة التي كان
من بين أبرز مظاهرها قيام المولى سليمان بخلع باشا تطوان وعامل الريف عبد
الرحمان أشعاش واستبداله سنة 1808، بعامل مخزني متشدد يدعى عمار بن عبد
السلام السلاوي البخاري. الأمر الذي أثار حفيظة القبائل الريفية التي
انتفضت ضد هذا العامل وضد خليفته الموفد إلى قصبة "عينْ بـادس" المدعو محمد
برنـاط. تجدنا إذن، أمام أحد أهم الأسباب لهذه الانتفاضة العابرة التي
تسمى في الوثائق بالفساد والفتنة، ألا وهو الحذر والحيطة من عسف وابتزاز
القياد الموفدين وليس ضد السلطان. إذ بمجرد ما تدارك المخزن السليماني
الموقف بأن عين، مجددا، على الجهة الريفية عامـلا من أصل ريفي هو أحمد بن
عبد الصادق حتى عادت علاقة هذه الناحية بجهاز الدولة إلى حالتها الطبيعية
على غرار ما كانت عليه أيام العهد الإسماعيلي . وسيسود الاستقرار أكثر في
ظل حكم المولى عبد الرحمان بن هشام (1822- 1859 ) الذي أشرك بدوره أهل
الريف في السلطة واتخاذ القرار. وهكذا تطالعنا وثائق هذه المرحلة بأخبار
جديدة تصب في اتجاه واحد هو إعادة الاعتبار لجيش أهل الريف وعمالهم وحركة
الجهاد والمجاهدين برا وبحرا في كل الجهة الشمالية من البلاد من فج الفرس
إلى فج العريس.
2- الضغوط الأوربية وسياسة الاحتواء
استخدمت القوى الإمبريالية المتنافسة على المغرب دسائس وأساليب ضغط
متنوعة حربية ودبلوماسية واقتصادية كانت تروم من ورائها اختراق المجتمع
المغربي بحواضره وبواديه وإضعاف جهاز دولته تمهيدا للسيطرة عليه. وكان
المغرب الشمالي شرقا وغربا مسرحا لأهم الوقائع والأحداث التي عبرت عن ذلك
الصدام. مثل هزيمة الجيش المغربي في معركة إسلي أمام الجيش الفرنسي في غشت
من سنة 1844، وحرب تطوان 1859- 1860 ، ثم حرب مليلة أو سيدي ورياش عام
1893 في مرحلة لاحقة. وقد استغلت فرنسا ثم إسبانيا تفوقهما العسكري لفرض
سلسلة من المعاهدات والاتفاقيات الدبلوماسية والتجارية على المخزن. كما
انتزعت انجلترا جملة من الامتيازات التجارية بموجب المعاهدة التجارية
الشهيرة الموقعة سنة 1856.
لكن، بالرغم من أن الجهة الريفية كانت من، الناحية الجغرافية، تقع على بعد
رمية حجر من أوروبا، فإنها لم تكن لقمة سهلة ومستساغة للرأسمالية
المتهافتة، بفضل السياسة اللامركزية التي وضحنا بعض ملامحها أعلاه، إذ يبدو
أن المخزن المركزي كان على وعي تام بنجاعة هذه السياسة الجهوية المبكرة في
بلاد الريف والقمينة بصد أي تسرب عسكري محتمل بفضل يقظة أهالي المنطقة
وحصارهم المضروب على الجيوب المحتلة حتى أن ماء الشرب كان يأتيها من
إسبانيا.
ومن
جهة أخرى، كانت "الفلائك الريفية"، أي القوارب الصغيرة تجوب بحرية السواحل
المتوسطية من وهران إلى جبل طارق للقيام بتجارة المساحلة مع استعدادها
دائما للتحول إلى قوارب مسلحة تقوم بالجهاد البحري المكمل للجهاد في البر
ضد إسبان مليلة. فعملياتها "القرصانية" كانت تستمد شرعيتها من دعم المخزن
نفسه الذي سخر بعض قطعه البحرية لدعم شرطة البحار وخفر السواحل
المتوسطية.
قصارى القول، أن المنطقة الريفية في ظل هذه السياسة الجهوية الجنينية
كانت تندرج ضمن وضعية سياسية فريدة فلاهي ببلاد المخزن ولا ببلاد السيبة
التي لا تنالها الأحكام، بل كانت في وضعية خاصة تسميها الوثائق الرسمية ب
"الأرض المتروكة لحالها"، بمعنى أنها كانت تسير نفسها بنفسها دون أن تكون
هناك قطيعة بينها وبين الدولة المركزية.
تراجع سياسة اللامركزية: استبدال عامل الثغور بعامل الحداد
لقد وجد المركز المخزني في الوضعية السياسية الخاصة التي كانت عليه
رعاياه في الريف وسيلة ملائمة لربح الوقت والتملص من المطالب الأوربية
المتفق عليها في المعاهدات. بيد أن تزايد الأطماع الأجنبية في المغرب، دفع
بتلك البلدان المتنافسة إلى تضييق دائرة الخناق على الحكومة المخزنية تحت
التهديد بالتدخل العسكري تارة، والمطالبة بالتعويضات المجحفة تارة أخرى.
الشيء الذي دفع السلطان محمد بن عبد الرحمان ( 1859 – 1873 ) إلى التدخل
لثني أهل الريف تدريجيا، عن القيام بالجهاد برا وبحرا. ثم جاء المولى
الحسن الأول (1873 ـ 1894)، فطبق سياسة مغايرة ابتداء من سنة 1875حيث
استبدل عامل الريف أو عامل الثغور بشبكة من القواد المحليين تحت إمرة عامل
مخزني موفد يدعى قائد الحدادة مقر استقراره الدائم قصبة جنادة أو فرخانة
على مشارف مليلية، وقائد مماثل على مشارف سبتة حيث طبقت نفس السياسة بمنطقة
جبالة. كما تم تعيين نائب مخزني يقيم بدار النيابة السعيدة بطنجة كان
بمثابة وزير الأمور البرانية أو الشؤون الخارجية.
نلمس هاهنا، تغييرا جذريا في الموقف الرسمي للدولة. فماذا ترتب عن
إلغاء سياسة اللامركزية وإشراك "النخب المحلية" الريفية التي كانت متبعة من
قبل السلاطين السابقين؟ انتفاضة قبلية عارمة امتدت كما جاء في إحدى
الوثائق المخزنية "من قلعية إلى بني ورياغل" ، أما سبب انتفاض القبائل
الريفية ضد هذه السياسة غير المسبوقة فتلخصه الوثيقة التالية "... وبعد،
فقد وصلنا كتابك شارحا لحال قبيلة تمسمان وما آل إليه أمرهم من السعي في
إيقاد نار الفتنة وذكرت أن السبب في ذلك هو أن عبد الصادق لما كان فيهم
قيْـد ولايته كان يساعدهم ويدعهم على ما هم عليه، وحيث بدا ضد هذا ثقُـل
عليهم الأمر ونظيرها قبيلة بني ورياغل ... " .
حاول
المخزن تهدئة الخواطر والأوضاع وإجراء الأحكام في القبائل بطريقة مرنة
لمنع المناوشات مع الأجانب وجعل الرعايا يذعنون لولاتهم الجدد. فأصبحت
المنطقة الشمالية كلها خاضعة لسياسة ممركزة، بيد أنها اصطدمت بعدة عراقيل
داخلية وخارجية جراء فقر المنطقة والأزمات الاجتماعية والكوارث الطبيعية
واستفحال التغلغل الأجنبي ولاسيما عقب مؤتمر مدريد سنة 1880 واندلاع حرب
مليلة 1893. ناهيك عن ظهور أسطورة المعادن الريفية التي انضافت إلى أسطورة
"القرصنة" البحرية. فلا تحصيل الضرائب كان منتظما ولا حتى في مستوى عبء
الحركات والمحلات نفسها، التي كانت ترسل إلى هذه الناحية.
وبعد وفاة الحسن الأول سنة1894، دخل الريف في مرحلة أخرى أقل ما يقال عنها
أنها اتسمت بالاضطراب و" الفوضى" كانت وراءها أيادي أجنبية خفية تصطاد في
الماء العكر وتعتمد على الوسطاء المغاربة المحليين ومن في زمرتهم من
المخالطين والمحميين. وعلى الرغم من الحملة "التأديبية" التي جردها المخزن
العزيزي إلى المنطقة سنة 1898 لفرض هيبة وسلطة المخزن والقضاء
"الكنطرابانضو"أي، التهريب الذي هو "أصل كل علة" كما جاء في إحدى
الوثائق، إلا أن موقف الهيئة الدبلوماسية الأجنبية بطنجة كان معارضا لمشروع
إلغاء الملاحة البحرية في سواحل الريف جملة وتفصيلا، بل تمكنت تلك الهيئة
سنة 1900م من استصدار قرار مغربي يقضي برفع الحصار عن الحصون الصغرى. في
نفس السنة غادرت المْحلة المخزنية قصبة بـادس في اتجاه فاس العاصمة، فدخلت
المنطقة مرحلة الشغور السياسي يمكن نعتها بفترة "السيبة" التي تعني، فيما
يخص حالة الريف، غياب تلقائي للمخزن وليس الامتناع عن الخضوع لنفوذه. فهل
استسلمت هذه الجهة للتدخل الأجنبي رغم غياب دعم حقيقي للمركز المخزني؟ إن
التصدي لقوات المتمرد الجيلالي الزرهوني المدعو الروكي بوحمارة، ثم مقاومة
الاستعمار الإسباني فيما بعد، لدليل قاطع على أن أهل الريف لم يتخلوا أبدا
عن روحهم الوطنية كما لم يحملوا أبدا السلاح في وجه سلطانهم كما فعلت بعض
القبائل المغربية الأخرى على حد قول الأستاذ عزوز حكيم. فهل آن الأوان
لنتحرر من الأساطير المفتراة على الريف والريفيين سواء قبل أو بعد ظهور
محمد بن عبد الكريم الخطابي؟.
.................
المصدر:
منشور أشغال اليوم الدراسي حول "الجهوية الموسعة" المنظم بالحسيمة يوم
14/02/2010 من طرف الأمانة الجهوية: تازة، الحسيمة، تاونات، جرسيف لحزب
الأصالة والمعاصرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق