الجديد

الجزيرة الاخبارية

الثلاثاء، 14 مايو 2013

الحداثة بالمغرب

سؤال الحداثة بمثابة الأساس من البنيان في جل كتابات مفكري الرعيل الأول للقرن العشرين، وصولا إلى الرعيل الراهن، حيث لعب دور الريادة في بلورة وصياغة تساؤلاتهم وإشكالاتهم، علما بأن سؤال الحداثة بالمغرب أطل علينا متأخرا مقارنة ببلاد المشرق، بسبب عوامل عدة يبقى أهمها تأخر التدخل الأمبريالي، مقارنة بما سارت عليه مصر ولبنان وسورية لينعكس إيجابا لا سلبا كما سار عليه البعض، ومرد هذه الإيجابية إلى كون المفكرين المغاربة عند ذاك الإبان لم ينغمسوا في غمرة سلطة السؤال المحوري لتلك الحقبة، وهو: لماذا تأخر الشرق وتقدم الغرب؟ وإنما تجاوزوه بطرح سؤال جديد كل الجدة مداره هو: ما السبيل إلى تحقيق الحداثة مع الأخذ بعين الاعتبار مسألة التراث، إما بإعادة قراءته قراءة اتصالية، وهي روح مشروع أستاذنا الراحل محمد عابد الجابري، أو بالتطلع إلى الأمام وفق منهج القطيعة، وذاك ما لقننا إياه أستاذنا عبد الكبير الخطيبي، دونما قفز بطبيعة الحال على الحوار الذي عقده الأستاذ طه عبد الرحمن حول مفهوم الحداثة بمرجعية إسلامية قحة، أو قراءة الأستاذ العروي للسبيل النموذجي لتحقيق حداثة منشودة ، ثم تثليثا ما نهجه الأستاذان محمد سبيلا وعبد السلام بنعبد العالي؟ والحق أن سؤال الحداثة عند أعلام الفكر المغربي المعاصر قد تفرع إلى صنوين أساسيين: صنو أول نظر إلى التراث الإسلامي العربي كمرجع أساسي لكل بناء من شأنه التفكير حداثيا، وآخر نهل إما من هيجل وماركس أو من نيتشه ومن بعده فكر الاختلاف، مما يعني مباشرة وبطبيعة الحال أن سؤال الحداثة بالمغرب قد عرف ريادة مقارنة بباقي دول العالم الإسلامي العربي على حد سواء، والشاهد على ذلك يتبدى لنا وبوضوح في تنوع مشاريع قراءة الحداثة بتنوع المرجعية... والحال أن هذه الأصناف برمتها قد أوجدت بدورها أسئلة فرعية أخرى ووضعتنا أمام إشكاليات سنتطرق لها الآن، باعتبارها مربط فرس وحجر زاوية هذه المقالة: اختلاف شروط الحداثة بين أوربا والمغرب لعل قيام الحداثة بأوربا قد مر بالعديد من المراحل، وسقط في زخم كبير من الكبوات إلى أن فتح له السبيل المعبد بشق الأنفس. صحيح أن الحداثة الأوربية قد نهلت بدورها من التراث الإغريقي بصفة أساسية، وبالتالي فإنها بنيت على أساس مرجعي هي الأخرى، لكن ما ميزها هو تعدد رجالاتها وأعلامها، ليس فلسفيا وحسب وإنما على الصعيد الأدبي والفني والسياسي والعلمي والديني، وهو ما لم نلمسه داخل المغرب. وهناك مسألة أخرى أو سؤال جوهري آخر لا بد من طرحه وهو: هل كنا سنتحدث عن مفهوم الحداثة لو لم يسجل التاريخ ظهور الحداثة بأوربا، وهل كان ممكنا أن نشهد نهضة وأنوارا عربيين لو لم يقم نابليون بحملة أمبريالية على مصر، وهل كنا سنعيش تحت سقف التقنية بمفهومها المعاصر لو انغلقت أوربا على نفسها؟ وصفوة القول في هذا الشأن أن شروط الحداثة بالعالم الإسلامي العربي، والمغربي بصفة خاصة، كانت أسهل من شروط تحقيق الحداثة في أوربا، فإذا كانت الأولى قد ألْفَت أمامها حداثة تستفيد من كبواتها، فإن الثانية قد كانت ضمن عالم غارق في الدوغمائية والانغلاق. شيزوفرينية الخطاب الحداثي بالمغرب لعل فرسان الحداثة بالمغرب لم يتمكنوا إلى حد الساعة من امتطاء الصهوة المناسبة، لإكمال السير قدما، لسبب بسيط هو أنهم لم يجدوا أمامهم الآذان الصاغية، بل على النقيض من ذلك لم يجدوا أمامهم سوى عقليات تغيب عنها روح السؤال النقدي، وتعجز عن أية محاولة لسبر أغوار العقل وعقد حوار حامي الوطيس معه، وهذا ما أوصلنا إلى الشرخ الحاصل اليوم بين خطاب النخبة وعقلية العامة المنغلقة، وهو الشرخ الذي سيؤدي في المستقبل لا محالة إلى خطر غير مرجو، وهو الإعلان عن نهاية نخبة مثقفة من شأنها حمل مشعل نخبة اليوم الأمس، وظهور نخبة أخرى بدأت تتبلور اليوم وهي نخبة سياسية تتحدث بدورها عن التطلع إلى مجتمع حداثي بعقلية ليست من الحداثة في شيء، وهذا خير دليل على أننا بتنا نعيش أوج صدمة حداثة بلغة أستاذنا محمد سبيلا. استحواذ الفكر الفلسفي على سؤال الحداثة بالمغرب من الأشياء التي تم القفز عليها تجاهلُ دور باقي المجالات الأخرى لبناء مجتمع حداثي، إذ يكفي أن نعود هنا إلى التربة التي نبتت فيها أولى بذور الحداثة بأوربا، لنجدنا أمام تحولات ممهدة لها الحداثة في الفن على سبيل المثال مع دوفانسي وأنجلو ورفاييل، وفي الأدب مع سرفانتس ودالتي، وفي السياسة مع ماكيافيل ومن بعده لوك ورواد الأنوار الفرنسيون، وفي الإصلاح الديني مع لوثر وكالفن، وفي العلم مع كوبرنيك وغاليلي، وهلم جرا... والحال أن هذا التنوع الذي شمل مختلف المجالات لم نلمسه في المغرب إلى حد الساعة وإن كانت هناك بعض المحاولات الصغيرة، والتي لم ترق إلى المستوى المنشود. إن ما نعيشه اليوم من مظاهر غريبة وبذيئة لهي بحق خير دليل على ابتعادنا عن الحداثة، وعلى انشطارنا أيضا بين شد من هنا وجذب من هناك، إذ يكفي أن نتأمل ولو لبرهة سلوك المغاربة في الطرق السيارة ومحطات الحافلات والملاعب الرياضية ونقاشات الطلبة داخل الحرم الجامعي حول الأغاني الساقطة ونجوم كرة القدم، ناهيك عن خطابات السياسويين، حتى نحس بالخزي والعار، لأننا لم نحافظ على ما لقنتنا إياه الأجيال السابقة، ولم نحاول إعادة حمل مشعل حكم عليه بالأفول. هادي معزوز

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق